العقل في اللغة: الحجْر، وهو ضد الحمق، ويأتي أيضاً بمعنى التثبُّت في الأمور، حيث يعقل صاحبه عن السقوط في المهالك، ويميِّزه عن سائر الحيوان، وهو عند بعضهم اللب، وقيل: هو صفوة الروح، وقيل: هو الغريزة، وقيل: هو معرفة الخالق، وهو أيضاً قوة فطرية مدركة، تعين المكلَّف على " الوقوف عند مقادير الأشياء قولاً وفعلاً، وتمكِّنه من النظر في العواقب، وتجعل له من نفسه رقيباً على شهواته فتعقله عن المحارم "؛ ولهذا فإن " العقل الضعيف والعاجز لا يستطيع التغلب على الميول النفسية، وكبح جماح الأحاسيس المتمردة للإنسان، والعقل الكامل هو الوحيد القادر على الوقوف محكماً بوجه السيل الجارف للشهوات والميول النفسية، وقيادة عواطف الإنسان وأحاسيسه الجياشة "؛ ولهذا قال المهلب: " العقل أصل الخلال المحمودة "، وقال القرطبي: " العقل لكل فضيلة أسٌّ، ولكل أدب ينبوع، وهو الذي جعله الله للدِّين أصلاً، وللدنيا عماداً، فأوجب الله التكليف بكماله، وجعل الدنيا مدبَّرة بأحكامه "؛ ولهذا يُعتبر العقل ضرورة من ضروريات الدين، جاء الإسلام لحفظه ورعايته.
ويختلف النظَّار في موقع العقل من الإنسان، فقد ذهب " أكثر الفقهاء وأقل الفلاسفة إلى أن العقل في القلب، وأقل الفقهاء وأكثر الفلاسفة على أنه في الدماغ "، ومع ذلك يختلف العقل عن القلب والنفس في "أن العقل هو: الشيء الذي يُدْرك به الإنسان ما لا يُدْرك بالحواس، وأن القلب هو الشيء الذي به يحب الإنسان ويبغض ويختار ويعزم، وأن النفس هي الشيء الذي به يشتهي الإنسان ويستلذه من المطاعم والمشارب والمناكح".
وتأتي أهمية العقل بالنسبة للإنسان في كونه مناط التكليف، فإن من شروط التكليف: العقل، وفهم الخطاب، والقدرة، فالله تعالى خاطب عباده البالغين للحلم من جهة عقولهم، وجعل العلامة على ذلك: البلوغ، بظهور أحد أماراته، فلا مؤاخذة على الإنسان قبل ذلك مهما فعل؛ لأن البلوغ أول شروط الانتقال من القصور إلى عالم الرشد، ففي أيِّ وقت حصل البلوغ: وجبت على المكلف الفرائض إجماعاً، فيأتي التكليف بالواجبات مع انفتاح باب الشهوة؛ ليكون كاللِّجام يمنع صاحبه من السقوط في الدركات، ويُجنِّبه المهاوي والورطات، وفي هذا يقول الرسول e:(( رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل ))، فهو بالبلوغ يصبح مكلفاً شرعاً، حين يدخل عالم الشباب، ويقول الرسولe في حق الإناث: ((لا يُتْم بعد الاحتلام، ولا يُتْم على الجارية إذا حاضت ))، فهي أيضاً بالبلوغ تصبح مكلَّفة شرعاً، ومؤاخذة بأعمالها ومقاصدها؛ إذ البلوغ دليل وجود العقل وأمارته.