لما كانت الأطر المرجعية ضرورية لتقويم سلوك الإنسان في ضوئها فإن تكوين هذه الأطر لا يتحقق له في معزل عن البيئة الاجتماعية من حوله فهي "الأداة الموصلة إلى تثبيت المفاهيم الإسلامية، وتنشئة الأفراد عليها… حتى ينطبعوا بانطباعاتها، ويكونوا صدى ذاتياً للتفاعل معها، والتشرب بها"، فلا بدَّ أن يكون سلوك المجتمع المسلم بأفراده ومؤسساته صورة واقعية صادقة للمفاهيم والتصورات الأخلاقية المنبثقة عن هذه الأطر المرجعية، حتى تتهيأ البيئة الصالحة لنمو الشخصية الإسلامية السوية.
والإنسان في التصور الإسلامي "لا يكون شخصية إسلامية، ولا يحقق استخلافه المطلوب إلا في مجتمع إسلامي ذي كيان سياسي فاعل؛ لأن التطبيق الكامل لدلالات النصوص لا يتأتى للفرد إلا إذا كان في جماعة إسلامية تتبنى الإسلام طريقة في الحياة، وفكراً منهجياً تُربي على أساسه الناشئ، وتخاطب به المجتمعات الأخرى"، فمن العسير تصور وجود اتجاه خالص نقي من الانحرافات السلوكية" عند فرد يعيش في مجتمع تكتنفه المتناقضات والصراعات في القيم والأفكار"، وهذا يصدق على الإناث بصورة أكبر؛ إذ هن أكثر تأثراً بالمتغيرات الاجتماعية المختلفة من الرجال.
ومع أن بذور الأخلاق والقيم مبثوثة في كيان الإنسان، والوراثة تمدُّهُ بالمادة الخام من الغرائز، والإمكانات، والميول المختلفة: فإن تنمية هذه الاستعدادات الفطرية ، وضبط توجهها مرتبطة بالدرجة الأولى بالبيئة الصالحة المناسبة، التي تساعدها على النمو والازدهار، ويجد فيها المتربي مجالاً خصباً للممارسة والتطبيق، ويشاهد عن كثب تجسُّد المفاهيم الأخلاقية في السلوك الاجتماعي من حوله، فلا يكون المجتمع بسلوك أفراده فتنة للشباب المتربي، بحيث لا يجدون متنفساً كافياً في الحياة الاجتماعية لممارسة المفاهيم الإسلامية الصحيحة؛ فالضغوط الاقتصادية الشديدة التي يتعرَّض لها بعض أفراد المجتمع: تجعل من العسير عليهم التمسك بالقيم الاقتصادية الإيجابية التي يؤمنون بها، كما أن البذل والعطاء، والحرص على شعور الآخرين: لا ينبعث من الفرد تلقائياً؛ بل يتعلمه من خلال "حرص الآخرين على شعوره، واهتمامهم بشأنه"، وهكذا السلوك الإنساني صورة تعكس الواقع الاجتماعي، وتعبِّر بصدق عن مدى توافق البيئة الاجتماعية مع معايير الأطر الأخلاقية التي يؤمن بها المجتمع.