8ـ التنفير من الازدواجية السلوكية

إن من أقبح مظاهر السلوك الإنساني التناقض والازدواجية في الحياة، وهي ما يُعبَّر عنها بالثنائية أو الانشطارية، التي تفصل بين الروح والجسد، والدين والدولة، والفرد والجماعة، والعلم والمعتقد، والفكر والعمل، فيصبح للمسلم شخصيتان إحداهما لله والأخرى للنادي والشارع، وهذا السلوك لا بد أن يسوق صاحبه في النهاية إلى المادية المفرطة، أو الإلحاد، وأقل ما يؤدي إليه هو الضياع والفراغ الروحي، فيصبح لعنة على حياة الإنسان.

إن الدين الإسلامي كان ولا يزال واضحاً في رفض مبدأ الازدواجية، بكل صورها، وجعلها من أسباب مقت الله تعالى؛ فقد قال U : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2-3] فسلوك المؤمن في الحياة الدنيا: سلوك واحد، يشمل كل جوانب نشاطه وحركته: بحيث تنطبع الحياة بصورة واحدة لا تناقض فيها، ولا تعارض، فالعقيدة والسلوك شيء واحد، وقد عبَّر "فيليب فينكس" عن هذا الفهم بقوله: "فالذي يعتقد اعتقاداً جاداً حقيقياً في دينه لا ينظر… إلى اعتقاده هذا كميدان خاص في حياته، ولكنه ينظر إليه دائماً على أنه ذلك الذي يمنح المعنى والهدف للوجود الإنساني كله، وهكذا نجد أن هذا الرأي الثاني هو الذي يؤكد أحسن تأكيد علاقة الدين بجميع اهتمامات الحياة الأخرى".