تتكون الشخصية الإنسانية من عناصر أولية تشمل مجموعة من الاستعدادات الفطرية، والصفات الجسمية والمزاجية، والقدرات العقلية، والناس في هذه العناصر والاستعدادات مختلفون اختلافًا بيناً، كاختلاف معادن الأرض بعضها عن بعض، وهذا يرجع إلى أصل الخلْقة الترابية التي نشأ الإنسان الأول منها، كما قال رسول الله r : (( إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض: جاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسَّهل والحَزن، والخبيث، والطيب ))، فهم على شاكلة أصولهم الأرضية في اختلاف أشكالهم، وطباعهم واستعدادتهم الفطرية.
وقد خصَّ رسول الله r جانب الاستعداد الخلقي عند الإنسان بمزيد بيان، يُشير فيه إلى أصول هذه الاستعدادات وتفاوتها، حيث يقول: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم…"، فهذه التوجيهات النبوية في بيان اختلاف القدرات والاستعدادات الخلقية الفطرية عند الإنسان: تدعو إلى ضرورة مراعاة تفاوت قدرات المتربين العقلية والنفسية في تقبل أنواع الأخلاق المختلفة، والتحلي بها في صورة نموذج مثالي واحد، فإن المنهج الإسلامي "لا يلزم الناس بصورة مثالية معينة، مصبوبة في قالب لا تتعداه، إنما يطلب إلى كل إنسان أن يبلغ حدود الكمال الممكن له بحسب استعداداته وطاقاته واتجاهاته.. وكل ما يفرضه هو المحاولة الدائمة لبلوغ ذلك الكمال الخاص في حدود الإطار المثالي العام"، فلا بد لمنهج التربية أن يستوعب نشاط المتربين وحركتهم الخلُقية، وسعيهم نحو الكمال، ويهيء لهم فرص النمو الخلقي، ضمن قابلياتهم واستعداداتهم الفطرية، بحيث يبلغ كل فرد أعلى درجات الكمال الخلقي التي قدَّرها الله تعالى له، وخصَّه بها، وهيَّأه لها، مع ضرورة التخلي عن كل خلق قبيح مذموم، والتزَّود من كل خلق حسن -على الأقل- "بالمقدار الذي يكفيه لتأدية واجب السلوك الأخلاقي"، وما زاد عن القدر الواجب فهو فضل، وميدان للتنافس البشري، والترقِّي في سلم الفضائل والكمالات الخلقية الإنسانية، وقد أشار رسول الله r إلى ما يدل على هذا بقوله: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم"، فجعل المذموم من الأفعال ممنوعاً من أصله، والمحمود منها مجالاً للتنافس والاستكثار قدر الاستطاعة.