الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه في الأرض ولا في السماء، وأصلي على خير خلق الله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد … فيا أخي الباغي علينا لقد سمعت نبأ التفجير الذي حصل عند مبنى إدارة المرور بمدينة الرياض بعد ظهر يوم الأربعاء 2/3/1425هـ، ولم أعلم بالخبر إلا بعد مرور سبع ساعات من إعلانه، فقد كنت مريضاً وليس لدي في منزلي من وسائل الإعلام إلا الراديو، ولم أتقصَّد فتحه لمعرفة التفاصيل إلا بعد أن اتصل عليَّ أحد الأصدقاء فأخبرني الخبر المؤلم.
نام أهل بيتي جميعاً وأما أنا فلم استطع النوم حتى الفجر، وبقيت أتقلَّبُ على فراشي، وقد هاجت في نفسي بشأنك يا أخي خواطر كثيرة، امتزجت بحزن وشفقة، وألم وحسرة، فما تمالكت نفسي حتى قمت إلى قلمي وأوراقي، أخطُّ بيدي ما هاج في نفسي من خواطر بشأنك، وقد ملأ الدمع عيني، والحزن قلبي، وقد تردد في خاطري حين شرعت في كتابة هذه السطور : هل سوف تصل رسالتي إليك ضمن هذا التكتم والسرية؟ كيف سوف أنشرها، أفي كتيب صغير، أم عبر شبكة الإنترنت؟ ومع ذلك فقد شرعت في الكتابة إليك، والله أملي أن ييسر وصولها إليك، وهو سبحانه رجائي ورغبتي أن تقع منك موقعها الذي أرجو وأتمنى.
أخي الباغي علينا، عذراً إن وصفتك بالباغي ولكن هذه حقيقتك، فما كتبت لأجاملك، وأرجو أن لا أكون مداهناً لأحد، فقد نزَّهت قلمي عن المجاملة والمداهنة منذ بدأت الكتابة في التربية الإسلامية منذ سنوات مضت، وكتبي المنشورة شاهدة على ذلك، فإن توجهك بقواك الانتقامية والغضبية نحو بعض الأجانب المقيمين في السعودية، ممن ينتسبون إلى دول كافرة، لها أدوارها في إيذاء المسلمين والإضرار بهم، ولاسيما في فلسطين: قد يجد عند البعض ما يبرره ولو بصورة ضعيفة وهزيلة، ولكن حينما تتوجه بقواك الغضبية والانتقامية إلى مسلمين، سواء كانوا من رجال الأمن، أو من المواطنين، أوالمقيمين فإنك بذلك تُوصف بالباغي، وليس لنا أن نسميك بغير ذلك.
أخي إن واقع المسلمين مؤلم، وينذر بخطر عظيم مستطير، ودول الكفر والطغيان تفرض سلطانها في ديار المسلمين برغبة ورهبة، وقد نجحت إلى حد كبير في تنحية الشريعة الإسلامية عن غالب ديار المسلمين، وها هي تسعى إلى ذلك في بلاد الحرمين الشريفين، لسلخها وأهلها عن هذا الدين، فلا يبقى للإسلام بعد ذلك قائمة، فأين أنت من المحافظة على بقية الإسلام في هذه البلاد؟ لا تقل: إن في البلاد منافقين يظهرون الإسلام ويبطنون غير ذلك، فإن الإسلام هو قضاء الله لهذه البلاد رغم أنف المنافقين، فمن أظهر شعائر الإسلام – وإن كان عاصياً في الظاهر- فهو في الشريعة مسلم، تجري عليه أحكام الإسلام وإن أبطن ما أبطن، فإن أظهر الكفر البواح، وخالف باعتقاده إجماع المسلمين، وجاهر بذلك أصبح كافراً، يصح الخروج عليه وتنحيته إن كان في المسلمين قوة وقدرة، وغلب على ظنِّهم تحقيق المصلحة الأكبر، ودفع المفسدة الأعظم، وإلا صبروا واحتسبوا، مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قدر الإمكان، حتى وإن كلَّف ذلك الأذى أو الموت، إلى أن يفتح الله بينهم وبين عدوِّهم.
أعلم يا أخي أن الله تعالى لن يترك أحداً – لاسيما في هذه البلاد – مستتراً كان أو مجاهراً، يسعى فيها بالفساد، ونشر الرذيلة والقبائح والفجور، أو البدعة والفتنة والشرور، أو التآمر على المسلمين إلا وينتقم منه, إن عاجلاً أو آجلاً, وأعلم أنَّك لست أكثر غيْرة على الدين ومحارمه من كثير من الفضلاء الذين يعيشون في هذه البلاد، ممن يمسون ويصبحون في ألم من تفاقم المنكرات، وانتشار المخالفات، يتذرَّعون بالصبر، ويدفعون الشر قدر استطاعتهم، فقد أُلْجموا بلجام الشرع من الوقوع في الشطط، ولم يملُّوا من طريق الغربة ومسلك الاغتراب عن المجتمع، إذ قد عرفوا دينهم، وواجبهم تجاه ربهم قبل أن تُخلق أنت في بطن أمِّك.
أخي الباغي علينا إن أغلى ما تملكه روحك، وإن أخطر قرار يقرره الإنسان هو أن يموت، فأين تراك – هداك الله – تضع روحك؟ إن لحظة الموت القصيرة تقف بينك وبين الحقائق الغيبية الكبرى التي حكاها الله لنا في كتابه، والتي وصفها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنَّته، فهل تقرر الموت بمفتاح صغير تديره بيدك، لتنتقل إلى عالم الغيب، الذي ينقسم – في حق المكلَّفين – إلى قسمين لا ثالث لهما، إما عالم ملؤه السعادة والهناء، وإما عالم ملؤه التعاسة والشقاء، إن اعتقادك بالقسم الأول هو دافعك لقرار الموت ولاشك أن هذا اعتقاد فاسد، فهل أنت على يقين بأنك من أهل السعادة والهناء، في الوقت الذي تحيَّر فيه السلف، وطاشت عقولهم بين هذين العالمين، لا يدري أحدهم إلى أيِّهما يُصار به، وقد ثبت يقيناً أن جمعاً ممن يظهر على سلوكهم الصلاح ينتقلون بعد موتهم إلى عالم الشقاء، وجمعاً ممن يظهر على سلوكهم الفساد ينتقلون إلى عالم السعادة، لا يُدرى ما يفعل الله تعالى بخلقه، فإذا بالنار أول ما تسعَّر بمجاهد وقارئ ومنفق، وفي الجانب الآخر يغفر الله تعالى لمن حمل تسعة وتسعين سجلاً من السيئات بكلمة التوحيد الخالصة الصادقة، فلا هذا نفعته حسناته الظاهرة، ولا هذا ضرَّته سيئاته المتراكمة، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا يا أخي تستعجل الموت وقد أمهلك الله تعالى؟.
أخي الباغي علينا : انظر إلى الشاب والفتاة على أرض فلسطين يقوم أحدهم بعملية استشهادية، يستهدف اليهود الغاصبين المعتدين، فيحيي بعمليته القلوب الميتة، ويرفع من معنويات المسلمين، ويسميه الناس شهيداً، في حين يقوم أحد البغاة من أمثالك بعملية مماثلة في صورتها في بلاد المسلمين فيتألم لها المسلمون، وينـزعجون منها، ويشعرون أنهم تأخروا في قضيتهم مراحل من الزمن، فلصالح من تعمل؟.
أخي إن السير إلى الله هو سير بالقلوب، وأما الأبدان فليست إلا مطية لها، وهيهات أن يبلغ الجسد مبلغ القلب، فلا تظنَّن أن تقطيع الجسد وإتلافه هو الطريق لبلوغ ما عند الله تعالى من الخير، فكم من أصحَّاء الأبدان قد وصلوا إلى المأمول، وكم من ميِّت على فراشه قد بلغ المطـــلوب، فأين أنت يا أخي من حقيقة سير القلوب إلى دار الأفراح، حين يعلم الله تعالى منك الصدق، ويعرف مقدار قدرتك ضمن حدود شريعته التي ألزمك بها، فإذا بلحظات صدق خالصة بينك وبين علام الغيوب، قد أشرقت نفسك بها، وطرب قلبك لها، فإذا بها ساعة الرضوان التي لا سخط بعدها، قد انحطت عنك الذنوب، وسُترت منك العيوب، ها أنت قد وصلت في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلَّة، فما لك وللعوجاء لا تدري ما نهايتها، قوم قد سبقوا إلى الله بقلوبهم وأجسادهم صحيحة، وأنت قابعٌ في جسدك، سجين بين أحشائك، تظن أنك لا تصل إلى الله إلا بإهلاك البدن، فبئس ما ظننت.
لا تقل لي هذا تصوف، دعك من هذه الشنشنة، فلستُ من أنصار ابن عربي، ولا من المدافعين عن الحلاج، وإنما بيننا وبينك الكتاب وصحيح السنة وأقوال السلف وفهمهم في القرون المفضلة.
إن السواد الأعظم من المسلمين يخالفونك في رأيك هذا، وقد أجمع علماء العصر قاطبة على خطئك في وجهتك هذه، وأن ما تقوم به ليس من الجهاد المشروع في شيء، وما قد يظهر لك فيه من مصلحة متوهمَّة فإن المفسدة منه أكبر وأعظم، ومن المعلوم في شريعة الإسلام أن المصالح الخالصة قليلة، وكذلك المفاسد الخالصة قليلة، وغالب الأحوال والمواقف تجمع بين المفسدة والمصلحة، فما غلبت مصلحته أجازته الشريعة، وما غلبت مفسدته منعت منه. وأنت – إن كنت صادقاً- فإن إجماع علماء العصر يُلزمك اعتقاداً وسلوكاً، والاعتقاد المخالف للإجماع بعد العلم به يخرج صاحبه عن الملة عند كثير من الأصوليين، وأقل ما يقال فيه إنه فسق يوجب التعزير، فكيف يسوغ لك- والحالة هذه – أن تقوم على عمل تخالف فيه الإجماع، وتعتقد بمشروعيته فضلاً عن استحبابه أو إيجابه.
أخي الباغي علينا أية ندامة وخذلان سوف يلحقان بك عند الله عز وجل إن كنت مخطئاً في اجتهادك، فإن اجتهادك في هذه المسائل الحرجة الشائكة الخطيرة ليس كتقصير شارب الخمر، أو الزاني أو العاق، فإن القضايا التي ترتكبها في حق العامة ليست كالقضايا التي يرتكبها الشخص في خاصة نفسه، ومسائل الاعتقاد التي تخوض فيها ليست كمسائل السلوك، ثم أنت قطعاً لست من أهل الاجتهاد، ومن تظن جواز تقليده ممن يُفتون في الخفاء بمثل هذه المسائل هو الآخر لم يبلغ درجة الاجتهاد، ولاسيما في هذا الزمان الذي ضعف فيه الاجتهاد الفردي، وأصبح لزاماً على العلماء الاجتهاد الجماعي، وبخاصة في القضايا الشائكة التي تهم الجميع مثل هذه التي تخوض فيها باجتهادك القاصر.
أخي لا أزعم أني أفضل منك عند الله تعالى، ولا أدري ما يُفعل بي
ولا بك، ولا أدري بما يُختم لنا، ولكن تواترت نصوص كثيرة محكمة في الكتاب والسنة تنفِّر من الخوض في الدماء، وتحذر من التهاون في الحكم بالتكفير، وها أنت بموقفك المتشدد تخالفها ببعض الشبهات، وتخوض فيما نهاك الله عنه، وتزعم أنك تعمل في قرْبة، وقد سبق إلى مثل عملك هذا أناس من المسلمين في الزمن الأول،هم في الظاهر أكثر عبادة وورعاً وزهداً، ومع ذلك خالفوا إجماع علماء زمانهم من الصحابة والتابعين، حتى وصل بهم الحال إلى أن قتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أصلح شخص في زمنه، زاعمين أنه أفسد شخص في الوجود، وأن قتله قرْبة إلى الله تعالى، وإنك يا أخي لتتعجب معي، كيف خفي عليهم مقام هذا الرجل، وعظيم فضله، وسابقته في الإسلام، ولكنها الشبهات التي تعمي صاحبها، فينقاد لها، ويثبت عليها إلى آخر لحظة من حياته.
وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الفئة التي قتلت علي بن أبي طالب رضي الله عنه هم الخوارج، وأنهم فئة غير منقرضة، فما يزالون يخرجون بصورة مستمرة، حتى إن آخرهم يخرج في زمن المسيح الدجال، فانظر يا أخي في نفسك وعملك هل أنت منهم، فإن واقع حالك، وطبيعة مسلكك يشير إلى أنك وأصحابك أقرب الناس شبهاً بهذه الفئة، وقد سبق أن خرج جهيمان في هذه البلاد، واستباح دماء رجال الأمن، ثم انتهى الرجل، وذهب غير مأسوف عليه.
أخي أنت مفتون، والمفتون أمره عسير، ولكني واثق أنك لو تجرَّدت قليلاً عن هواك، ودعوت الله تعالى بصدق ليشرح صدرك للحق فإن الله تعالى لن يخيِّبك، وقد تواترت التجارب أن من قرأ سورة البقرة في مجلس واحد، ثم دعا الله تعالى بخير، فإن الله تعالى لن يخيِّبه، وقد رأينا فضل هذه السورة على الصرعى والمرضى، فجرِّبها فلعل الله أن يفتح عليك.
أخي أرفق بنفسك فإن الله تعالى رحيم لم يكلفنا فوق طاقتنا، ومن العبث أن ينبري الرجل لما هو فوق قدرته من العمل والجهد، وها أنت تنهض بأمر التغيير الاجتماعي العام، وتواجه المجتمع بأكمله،بل العالم بأسره، وهو فوق قدرتك قطعاً، ورحم الله الإمام أحمد بن حنبل حين ابتلي بفتنة القول بخلق القرآن لم يزد على أن ثبت على المبدأ الحق، معلناً ذلك صراحة، متقبلاً وصابراً لما يلقاه من الأذى، دون تكفير للمخالف، أو قتله، أو حتى إيذائه، إلى أن ظهر الحق على الباطل، فأين أنت من مثل هذا؟ هلا خرجت بأفكارك مجرّدة عن حدِّ السيف، وكتبت وناقشت حتى تقنع المجتمع، فإن أطاعوك فهذا ما تريد، وإن عصوك وخالفوك فحسبك أنك بلَّغت، وأقمت الحجة، فإن بعض الأنبياء عليهم السلام يأتي أحدهم يوم القيامة وليس معه أحد، وهذا لا يضره في شيء، فما يضرك أن لا يتَّبعك أحد، وما يضرك أنك على الحق ولو كنت وحدك، فلماذا السيف إذن؟.
أخي الباغي علينا إن الحياة قد مُلئت بالمظالم والخطايا، وظهر الفساد في البر والبحر، فلو أن كل مظلوم أخذ سلاحه لينتقم لنفسه وراح كل شخص يقيم الحق لنفسه لعم الفساد، وتناحر الناس، ولكن الله عز وجل ألزمنا بالسلطان يقيم الحق، وينفذ الحدود، فإن قام بها كما أمر الله فبها والحمد لله، وإن لم يقم بها، أو قصَّر في واجبه فالله حسيبه، نؤدي الذي علينا، ونسأل الله الذي لنا، مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوعظ والإرشاد لمن ولاه الله أمرنا، وهذا تاريخ الامة شاهد على أن الخروج على الحكام لم يثمر شيئاً، فإن زحزحة جبل من مكانه أسهل من تعجيل زوال ملك أخَّره الله تعالى إلى منتهى أوانه.
أخي لقد شارك عبد الله بن سبأ وأصحابه من المنافقين في صناعة الفتنة الأولى بين المسلمين، في زمن أكثر علماً، وأفضل فهماً، وأعظم تقوى، ومع ذلك تم لهم ما أرادوا من الفرقة والتناحر، فإذا استطاع السبئيون في الزمن الأول صنع كل هذا مع أفضل الناس فماذا تراهم يصنعون اليوم معك ومع أمثالك؟ فإن كنت صادقاً محقاً فتلمَّس أصابع السبئية الحاقدة، وتحسس مداخلها في أنشطتكم، ولك يا أخي أن تقول: إنكم غارقون في مخططات السبئية وبرامجها في الاقتصاد والاجتماع والإعلام ونحوها، وكلامك هذا حق، ولكن الاختلاف كبير بين من يعرف هذه المخططات، ويتلمَّسها في واقع الحياة، ويدفع عن أمته شرها بقدر طاقته، وبالطرق المشروعة وبين من غرق مثلك في تنفيذ مخططات الأعداء وهو لا يعلم.
أخي إن استخدام مصطلح الإرهاب بالمفهوم الغربي مرفوض، كما أن وصفك بأنك إرهابي هو أمر مرفوض أيضاً، فأنت لا تسمى إرهابياً، وإنما تسمى مفسداً أو باغياً، فإن الإرهاب الحق هو الذي يُتوجَّه به نحو أعداء الله من الكفار والمنافقين تحت راية جهاد واضحة لالبس فيها، وأما الذي يتوجه لإخوانه المسلمين بالأذى والضرر فهذا هو المفسد الباغي.
أخي إن من بين رجال الأمن في بلادنا – ممن تستبيح أنت دماءهم- رجال في غاية التقوى والخير، يتمنى أحدنا أن يكون في عمله واستقامته، ولا أجهل أن فيهم من هم دون ذلك، وربما فيهم من لا دين لـه ولا خُلق, فحالهم كحال غيرهم من الناس فيهم وفيهم، ولكن ما هو موقفك عند الله حين تقتل ولياً منهم، بل ما هو موقفك بين يدي الله تعالى حين تقتل إنساناً صالحاً يذكر الله ويصلى، لا غرض له ولا حاجة إلا أنه عابر سبيل يمر بالطريق، ثم ما هو موقفك عند الله حين تقتل طفلاً مسلماً، وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقتل أولاد المشركين، لا تقل لي : إنك في دار حرب يجري فيها ما يجري، فإذا كانت السعودية – في نظرك – دار حرب وهي كما هو معلوم بقية الإسلام في هذا العصر، فماذا تراك تقول عن باقي دول المسلمين التي ألغت الشريعة، وحكمت بالقوانين الوضعية المستوردة؟.
أخي أنت متورط في أمر لا تدري كيف الخلاص منه، وتظن أن الموت أفضل وسيلة للخروج من هذه الورطة، وهو كذلك إن كان الموت يُخرجك إلى رحمة الله، أما إن كان غير ذلك فإن عذاب الدنيا مهما عَظُم لا يقارب عذاب الله تعالى وغضبه، وقد شهد عليك جميع علماء العصر بأنك تعمل في غضب الله تعالى، ولست من رضاه في شيء، فأين تذهب؟.
أخي ليس لك إلا التوبة إلى الله تعالى، فمهما يكن من خطأ وقعت فيه، أو جرم عملته فإن باب التوبة مفتوح، ومهما يكن من أمر الناس فإن الذي يهمك الآن هو أن تتوب من المعتقدات الفاسدة، والأعمال الساقطة، فتقدم على ربك نقياً من الذنوب ؛ فإنه الله غفور رحيم لا يعظُم عنده ذنب إذا جاء العبد بالتوبة النصوح، وأعظم ذنب عنده بعد الشرك هو أن تقنط من رحمته، وتعتقد أنه لا يغفر لك ؛ فقد غفر الله لرجل قتل مائة نفس، ثم تاب توبة صادقة، فاستعن بالله، وتب إليه، وأقلع عما أنت فيه، وهذه أول خطوة لابد لك منها، ولا محيد لك عنها، وأما ما بعد ذلك من الخطوات فقد رتَّبتها لك حسب الأفضلية التي أراها لك، واختر أنت لنفسك، والله لن يخيِّبك مادمت صادق التوبة :
الاختيار الأول: أن تسلِّم نفسك للسلطات، وأن تتحمل أعباء خطئك، فإن الرجوع إلى الحق أفضل من التمادي في الباطل، وقد يصدر بحقك عفو، ولاسيما إذا ساعدت المسؤولين للقضاء على هذه الفتنة، ومهما يكن من عذاب الدنيا فإنه هين قصير، لا يقارن بعذاب الله تعالى، نسأل الله لنا ولك العافية.
الاختيار الثاني : أن تخرج من هذه البلاد إلى ساحة جهاد للمسلمين، تعاني تسلُّط الكفار عليها، فتجاهد هناك لعل الله أن يرزقك الشهادة، ويغفر لك جرائمك وأخطاءك وتقصيرك، والله غفور رحيم.
الاختيار الثالث: أن تعتزل جماعتك، وتغيب عن الناس حتى يُنسى خبرُك، فتكون في العبادة والذكر والتبتل، والأعمال الصالحة، حتى تلقى ربك عز وجل، كما فعل بعض الصحابة زمن الفتنة الأولى.
الاختيار الرابع: أن تبقى في موضعك، لا تحدث شيئاً، ولا تدافع عن نفسك، ولا تُعين أصحابك على الباطل مهما كان الأمر، وتصبر على ذلك حتى يقضي الله فيك أمره.
الاختيار الخامس: أن تنتحر فلن تعدم وسيلة تنهي بها حياتك، بشرط أن لا تقتل معك مسلماً، ولا نصرانياً، ولا حتى مجوسياً، ولا تحطم منشأة، ومثلك لا تخفى عليه وسائل الانتحار بهدوء، على أن تعلم أن الانتحار من كبائر الذنوب، ولكن ماذا تريد منا أن نقول لك إن كنت قد قررت الموت، وعزمت على إنهاء حياتك، فمت أنت وحدك، ودعنا نحن في مهلة الله تعالى نصلي ونصوم ونتصدق ونستغفر ونتوب إلى الله تعالى.
أخي الباغي هذه الاختيارات مطروحة بين يديك، ولا أزعم أنها الاختيارات الوحيدة، ولكنها في نظري الأفضل لنا ولك، فاختر منها وتحمل مسؤولية قرارك، فإن أبيت إلا الإصرار على طريقك الخاطئ، واستباحة دمائنا، فإنا نستعين بالله عليك، والله حسبنا ونعم الوكيل، ومع ذلك نتوجه إليه سبحانه بأن يوفقك للتوبة النصوح، وأن يشرح صدرك لما فيه الخير، وأن لا يفجعنا فيك، وأن يجعلك داعية خير ورحمة، لا داعية شر ونقمة، إنه سميع قريب مجيب.
وختاماً أقول يا أخي إن كنت مظلوماً من أصل الأمر، وإنما أدرج اسمك إدراجاً ضمن من يُسمَّون بالإرهابيين، ولا دخل لك في كل هذه الصراعات والفتن التي حصلت في البلاد، ولم تشارك قطُّ في شيء منها: فإن كل ما تقدم لا يخصُّك في شيء، وإنما واجبك أن تسلم نفسك للسلطات وتثبت لهم براءتك، فإن صدقوك فالحمد لله، وإن لم يصدقوك، ووقع عليك ظلم بغير حق فلست بأول مظلوم في الدنيا ولست بآخر من يظلم فيها فأين الصبر واحتساب الأجر؟ ولأن تلقى الله تعالى مظلوماً خير لك من أن تلقاه ظالماً، فاصبر واستعن بالله، ولن يخيِّبك الله تعالى.
هذا والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.