يظن بعض الناس أن القضاء والقدر الذي سجَّله الله على عباده في الأزل: يوجب إجبارهم على العمل الحسن أو السَّيء، والصحيح أن الإسلام يثبت القضاء والقدر لله تعالى، وسيطرته -سبحانه- مع علمه بأن كل شيء بالتدبير والخلق، مع إثبات حرية الإنسان في اختيار أفعاله الإرادية، "ففي المنطقة التي يعرض فيها الفعل على العقل: بأن يفعل أو لا يفعل، تلك هي المنطقة التي يوجد فيها الاختيار، وهي منطقة التكليف من الله"، فإذا حصل من الفرد الاختيار الحر، مع الإرادة الكاملة: قامت هناك المسؤولية.
وعقيدة أهل السنة والجماعة أن أفعال العباد من خلق الله تعالى، وفي الوقت نفسه هي كسب لهم، وهم مسؤولون عنها أمام الله تعالى، ففي الحديث القدسي قال الله تعالى: "…. يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه"، فنسب I الأعمال إليهم، والمسؤولية عليهم؛ إذ من غير المعقول أن يكلفهم بالأعمال دون أن يمنحهم حق الاختيار.
أما الأعمال التي تحصل دون إرادة منهم فهي مما عُفي عنه، كما قال الله تعالى: {…. وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } [الأحزاب:5]، وكما قال أيضاً: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ..} [البقرة:286]، فهذه الأعمال التي قد تصدر عنهم بغير إرادة منهم لا تدخل ضمن المؤاخذة والتكليف لعجزهم تجاهها.
ومن هنا عَدِمَ المحتجُّ الحيلة في الاحتجاج بالقضاء والقدر على المعصية التي وقع فيها باختياره، ووجد المؤمن بالقضاء والقدر عذراً للاحتجاج به عن الخطأ، أو المصيبة التي لا اختيار له فيها، فإن "القدر يُحتجُّ به عند المصائب لا عند المعائب".
والمسلم يخرج من هذا التَّصوُّر بأنه مسؤول عن أعماله الاختيارية، وعن إراداته، ومقاصده من الخير أو الشر، وأنه مؤاخذ بكل ذلك، كما قال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا* اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } [الإسراء:13-14]، وقوله U : {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [يــس:54].