إن عاطفة الأمومة أعظم ما تقدمه الأم المؤمنة إلى أبنائها، فإنهم لن يجدوا حنان الأمومة ورحمتها عند غيرها، فمن المعلوم أن علاقة الأم بالشباب في الأسرة أكبر وأعمق من علاقتهم بالأب، وتسامحها معهم أكثر وأوسع من تسامحه معهم؛ لهذا تكون الأم عادة ألصق من الأب بحاجات الأولاد من الجنسين، وأعرف بمشكلاتهم، وأقرب إلى حلها.
ومن المعلوم أن الفتاة تلجأ عادة في حل مشكلاتها إلى الأم أولاً، ثم إلى الأخت، ثم إلى الأب، إلا أنها إذا لم تجد عندهم فرصة لبثِّ آلامها وآمالها، أو كانت الأسرة مفككة الروابط، أو كبيرة العدد، بحيث تعجز الأم بمشاغلها عن متابعة الجميع بصورة كافية، فإن الفتاة تلجأ إلى خارج البيت باحثة عن الدفء والحب في صديقاتها، أو لربما لجأت إلى الانحراف الخلقي لسدِّ خلَّتها، وهذا ليس ببعيد فإن وجود الأبوين في الأسرة ليس بالضرورة كافياً لضمان عدم الانحراف، فقد دل البحث الميداني على: أن غالب أسر الشباب المنحرفين: أسر مكتملة الأعضاء، يعيش فيها الوالدان والأولاد معاً، إلا أنها جوفاء، خالية من المضمون التربوي الصحيح.
إن من أعظم المشكلات التي تواجه الشباب في العموم، والفتيات على الخصوص: عدم القدرة على البوْح بالأسرار، ومفاتحة الوالدين بالمشكلات، وهذا يرجع إلى ضعف شخصية الفتاة، أو كونها مطلقة، فإن علاقة الأم بالبنت المطلقة سيئة في كثير من الأحيان، أو ربما يرجع إلى النفرة التي تحصل أحياناً عند الفتيات من الأمهات، عند توجههن نحو الاستقلال العاطفي والفطام الأبوي، الذي تتطلبه مرحلة الشباب، فإن غالب مشكلات الفتيات وانفعالاتهن في هذه المرحلة من النضج تتجه إلى داخل الأسرة نحو الآباء والأمهات على الخصوص، في حين تتجه مشكلات الفتيان من الشباب نحو المجتمع الخارجي.
وعلى الرغم من هذا فإن الفتاة في العموم لا تزال أطوع في سلوكها للأم، وأحرص على كسب رضاها من الأولاد الذكور، وتأثيرها في توجيهها، وتنمية قدراتها: لا تزال أكبر من تأثير الأب وأعمق، فلا تزال فرصة التوجيه التربوي، والضبط الأخلاقي ممكنة؛ فإن الأم بما حباها الله تعالى من قدرات خاصة: تستطيع أن تؤثر في الفتيات بصورة خاصة والأولاد بصورة عامة تأثيراً يفوق الوصف، بشرط قيامها بدورها الأمومي خير قيام، وتمثلها سلوك الأنثى كأكمل ما يكون، ومن ثم الالتصاق الروحي، والاندماج العاطفي بالفتيات، بحيث تصل إلى أعمق ما في نفوسهن من المشاعر والأحاسيس، فتبذر فيهن مبادئ الخير والفضيلة، وتتحكم في نوازعهن الدافعة، فتضبطها بما يوافق أصول الأخلاق، ومبادئ الشريعة، يقول الإمام بديع الزمان سعيد النورسي ~ٍٍِِ مبيناً دور والدته في تكوين شخصيته، وعمق تأثيرها في سلوكه وخلقه: "أقسم بالله إن أرسخ درس أخذته، وكأنه يتجدد عليَّ، إنما هو تلقينات والدتي رحمها الله، ودروسها المعنوية، حتى استقرت في أعماق فطرتي، وأصبحت كالبذور في جسدي".