8ـ قيام الأسرة بالعدل بين الذكور والإناث

إن النفرة التي غالباً ما تحصل بين الأولاد، والتي تُعتبر من المشكلات الأسرية الأزلية: ترجع في غالبها إلى الأولياء، حين يفضلون بعض الأولاد على بعض، ويعقدون بينهم المقارنات التي تُشعل نار المنافسة بينهم، وتلهب الأحقاد، والأولياء مأمورون بألا يتعاطوا من الأسباب ما يثير خلق العقوق عند أبنائهم، وفي هذا يقول رسول الله r فيما رُوي عنه:(إن الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم، كما يحب أن تعدلوا بين أنفسكم), ولما أراد أحدهم أن يُشهده على هبة خصَّ بها أحد أولاده دون الآخرين قال له واعظاً: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"؛ وذلك لأن هذه الممارسات، والأساليب المتباينة في معاملة الأولاد، والعطايا الخاصة: تُعد من أعظم أسباب إثارة العقوق، ومن أشد ما يُؤثِّر في علاقة الأولاد بآبائهم من جهة، وعلاقاتهم فيما بينهم من جهة أخرى.

ولعل مجال العطاء أكثر ما يظهر فيه هذا التباين والاختلاف في التعامل مع الإناث، فقد يتخذ بعض الأولياء من اختلاف الجنس ذريعة لاختلاف العطاء، والمخصصات اليومية، وربما وقع التمييز بينهم حتى في الرعاية الصحية، والتغذية ونحوها، وهذا بلا شك ممنوع شرعاً، ولا يصح إلا في حالة اختلاف السن، واختلاف طبيعة الحاجات بين الذكور والإناث، أما لمجرد الجنس فإنه لا يجوز، وأما إذا كان العطاء كبيراً، بحيث يكوِّن ثروة للأولاد، ويشمل مال المورِّث: فإن الأولى توزيعه بحسب الميراث: للذكر مثل ما للأنثيين.

ولا يقف الظلم عند مسألة العطاء؛ بل يتعداها إلى أسلوب المعاملة الأسرية - الظاهرة أو المستترة - حيث الرغبة الجامحة عند الآباء في إنجاب الذكور، والتي يصعب على الأمهات - خاصة - إخفاؤها من سلوكهن وكلامهن، مع إطلاق الأمثال والأشعار في ذم البنات وكثرتهن، والتنميط السلوكي المفتعل، الخارج عن حدِّه التربوي بين سلوك الذكور والإناث من الأولاد، كل هذه الممارسات ونحوها، مما تُعايشه الفتاة في الأسرة، وتُعانيه في المجتمع من حولها: يشعل في نفسها الغيرة والحسد من إخوتها الذكور، خاصة إذا رأتهم معجبين برجولتهم، مفتخرين بها، فإذا عجزت عن منافستهم، ودفع الحيف عنها: استسلمت للواقع الظالم في إحساس مهزوم ملْؤه التوتر وفقدان الأمن، والشعور بالدونية والاحتقار.

والإسلام بمنهجه العدل، ينهى عن مثل هذه الأساليب الظالمة، ويأمر بضدها من العدل والإحسان حيث يقول رسول الله r :(من ولدت له أنثى فلم يئدها، ولم يُهنها، ولم يؤثر ولده - يعني الذكر - عليها أدخله الله بها الجنة), وكان يأمر عليه الصلاة والسلام بالعدل بينهم حتى في القبل والملاطفة؛ ليقطع بذلك مادة الحسد والتنافس بينهم، ويُزيل أسباب العقوق من نفوسهم، فلا بد أن يكون هذا الاعتدال هو نهج الأسرة التربوي في تعاملها مع الجنسين من الأولاد والبنات.