الوالدان مسؤولان عن الجو الأسري العام، حيث يفرض عليهم الدين ضرورة تولي الإشراف الكامل على الأبناء، ومعرفة حاجاتهم، وضبط سلوكهم، وتوجيههم إلى الخير، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ……} [التحريم:6]، وكما قال رسول الله r :(ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته…), وإن من أهم التكاليف المناطة بالوالدين: إقامة الانضباط الخلقي في الأسرة على جميع الأولاد، خاصة من كان منهم في مرحلة المراهقة وما بعدها في سن الشباب، فإنهم يحتاجون إلى مزيد رعاية، وضبط بحزم ودقة؛ حتى يكمل نضجهم العام، وتبنى شخصياتهم.
والفتيات في سن الشباب غالباً ما يكنَّ أكثر ميلاً وامتثالاً للسلطة الأسرية من الفتيان، وأكثر رضاً عن نهج الوالدين وطريقتهما في الضبط الأسري؛ حيث يتكيَّفن مع القيم الأسرية، والطبيعة الاجتماعية، ويقبلن بدورهن الذي تحدده الأسرة، أكثر مما يُبديه أقرانهن من الذكور، فيسهل - بالتالي - على الوالدين قيادتهن حسب الأنماط الاجتماعية والأخلاقية التي يرونها.
ورغم هذا الانقياد الطبيعي عند الفتيات على وجه العموم، فإن بعضهن يغفل عن طبيعة دور الوالدين في الضبط الأسري، والمسؤولية المناطة بهما في ذلك، فيتصوَّرون بأن دورهما كبت الحريات، وتقييد التصرفات، كأنهما يمارسان عمل السجَّانين.
ولعل مما يخفف من هذه النظرة المتشائمة إلى الوالدين، ويزيل هذه الشبهة: إدراك الفتاة، واعتقادها الجازم بأن الوالدين - كما هو المفروض فيهما - لا يُتَّهمان في تصرفاتهما الاجتهادية مع الأبناء، مهما صدر عنهما، فهما مبرَّآن من كل تهمة، "فمهما فعلا مع أولادهما يؤخذ على حسن النية، وسلامة الطوية؛ إذ إن عاطفتهما كفيلة بمنعهما من قصد الإضرار بهم، أو إيذائهم".
كما أن سعي الوالدين في الضبط الأسري إنما يهدف إلى تحقيق نضجهم العقلي والخلقي، فتدرك الفتاة أن استقامتها الخلقية: أسمى ما يطلبه الوالدان المؤمنان، ويسعيان له، قال القرطبي ~ٍٍِِ: "ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله U "، فالشباب من الجنسين في هذه المرحلة تتقوى لديهم الأحاسيس والمشاعر وتطغى مقابل ضعف نظرات العقول، مما قد يدفعهم في المواقف المختلفة إلى اتخاذ قرارات غير سليمة، ومن هنا يحسنُ بالوالدين التدخل بالتوجيه والضبط، فهذا الفهم لطبيعة دور الوالدين في الضبط الأسري: يُعين الفتاة على القبول والرضى بدورهما القيادي في الأسرة، وأساليبهما في الضبط الخلقي.
وتستعين الفتاة على الامتثال بالضوابط الأسرية من خلال التعوُّد عليها، فقد دلَّ البحث الميداني على أن التعوُّد على امتثال الأوامر والقبول بها يأتي من خلال الممارسة والتدريب، حتى يصبح الامتثال جزءاً من سلوك الفتاة يصدر عنها بيسر وسهولة، وتقل بالتالي معاناتها من أساليب الانضباط الأسري.
ولا بد أن تدرك الفتاة أنها لا تزال صغيرة في نظر الوالدين، مهما بلغت من السن، وشعرت في نفسها بالقدرة على الاستقلال، فإن أمَّ الإمام أبي حنيفة النعمان رحمهما الله، بعد أن تأهل ولدها للفتوى والإمامة: كانت لا تراه شيئاً، ولا تأخذ عنه.