تُعتبر مشاركة الوالدين في التربية الأسرية، في جو تشيع فيه الروح الدينية الصادقة الحقيقية: من أعظم وسائل تنشئة الشباب تنشئة صالحة؛ لأن التقوى هي أساس كل العلاقات الإنسانية، وسر قوة تماسك المجتمع المسلم، فإذا كانت العلاقات الأسرية قائمة على مبدأ التقوى: كان جو الأسر مناسباً لنشأة الأبناء، بعيداً عن التوترات والمؤثرات السلبية؛ ذلك لأن الأخلاق لا تنمو وتزدهر إلا في ظل العقيدة القوية الصحيحة، وضمن مجتمع منسجم متماسك، فالفرد يكوِّن اتجاهاته الإيجابية أو السلبية نحو المؤسسات، أو الأشخاص، أو الأشياء بناء على ما تحقق له من إشباعات وإتزان نفسي، فإذا لم تحدث هذه المتغيرات الاجتماعية منافع إيجابية للفرد: كان الجو الاجتماعي مهيأ للانحراف الخلقي.
ويُعتبر الجو الأسري أهم وسط اجتماعي يحقق فيه الشباب ـ والفتيات على الخصوص ـ إشباعهم العاطفي،واستقرارهم النفسي، فإذا كان التوتر سمة الأسرة الغالب، وكان الاحتكاك والنزاع بين الوالدين طابعاً عاماً للحياة الزوجية: فإن مظاهر الجنوح، والانحرافات الخلقية والأمراض النفسية، وتعاطي المخدرات، يمكن أن يكون مصير الأولاد المحتوم؛ فإن الأسرة التي يتعرض فيها الأبوان للاضطراب الاجتماعي، والإخفاق في تحقيق الاستقرار: تصبح فيها التربية السليمة أمراً مستحيلاً، ويقع فيها النصيب الأكبر من الآثار السلبية على الفتيات.
وقد وجَّه الإسلام في منهجه التربوي إلى الاستقرار الأسري؛ فأمر بالتَّلطف في المعاملة الأسرية، يقول رسول الله r :(أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وألطفهم بأهله) وقد كان r من أكثر الناس تلطُّفاً ومزاحاً، وكان يقول:(يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا), وكان يجتمع بنسائه رضي الله عنهن ويسامرهن، وكانت فاطمة رضي الله عنها إذا جاءته وهو مع نسائه قام إليها، ورحَّب بها، وأجلسها إلى جواره، وكان يداعب زينب بنت أم سلمة رضي الله عنهما فربما قال لها:( يا زُوينب، يا زُوينب مراراً).
وكان الصحابة y أيضاً يتباسطون مع أفراد أسرهم ونسائهم، فكان منهم من يضاحك أهله ويلعب معهم، اقتداءاً بالنبي r ، إذ "كان من أضحك الناس، وأطيبهم نفساً"، وكان السلف يعدُّون تحفظ الأولاد والأهل، وهيبتهم من الضحك أمام الأب: من سوء خلقه، وفي هذا يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t : "لا بأس بالمفاكهة يخرج بها الرجل عن حد العُبُوس".