1ـ حق الفتاة في المعاملة الأسرية الحسنة

لما كانت القسوة والشدة، وسوء معاملة الأبناء في الأسرة: وسيلة من وسائل الانحراف الخلقي، خاصة عند الفتيات اللاتي تُبكِّر بهن الأسرة، حيث يكنَّ محطَّ تجارب الوالدين الصائبة والخاطئة: فإن توجيهات الإسلام التربوية جاءت بالتلطف مع النساء عموماً، والفتيات خصوصاً، مراعاة لحاجتهن الماسَّة للعطف واللُّطف، فقد جاء عن رسول الله r في شأن النساء عموماً قوله:(خيركم خيركم للنساء), وخص الفتيات بالاهتمام، ورغب في ذلك فقال:(من عال جاريتين حتى تبلُغا: جاء يوم القيامة أنا وهو، وضمَّ أصابعهُ), وأمر بالتلطف معهن جميعاً فقال: "إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وألطفهم بأهله"، فجعل الوليَّ اللطيف بأهله، الرحيم بهم: من أكمل المؤمنين في درجات الكمال الإيماني، وممن يصحبه يوم القيامة، مما يدل على ضرورة استخدام هذا الأسلوب في التعامل مع النساء عموماً والفتيات على وجه الخصوص لحاجتهن الطبيعية إلى ذلك، وقد أشار كثير من الدراسات إلى أن الحرمان، والشدة التي يُعامل بها الصغار في طفولتهم: تستمر آثارها السلبية معهم في المراحل الأخرى، وتبقى عاهات وكدمات مستديمة في نفوسهم، لا ينفكون عنها.

ومن أهم مظاهر التَّلطُّف بالفتاة: الاستئناس بها، وعدم كرهها، فقد ثبت عن رسول الله  r أنه: ما كان يضيق بهن، ولا يستنكف عن مخالطتهن؛ بل بلغ به اللُّطف أن يحمل إحداهن في الصلاة، رغم أن في الصلاة شغلاً عن مثل هذا، ولم تثبت هذه الفضيلة للذكور من الصبيان، وكان يقول: "لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات"، وكان إذا قدم من سفر دخل على ابنته فاطمة رضي الله عنها فقبلها، وإذا دخلت عليه: ربما قام لها، وأجلسها مكانه،ملاطفة لها، وكان أبو بكر ربما بدأ بعائشة رضي الله عنهما إذا قدم من سفر وكانت مريضة، فيدخل عليها ويُقبِّل خدَّها.

ولم يكن عليه الصلاة والسلام يقتصر على مظاهر السلوك الخاص، بل كان يُعلن محبته لابنته، ويحذِّر من إيذائها، فيقول:(فاطمة مني، يبسطني ما بسطها، ويقبضني ما قبضها…), ولما نزلت آية التَّيمم بسبب فقْد عائشة عقداً لها في منطقة لا ماء فيها، ومكوث النبي r وأصحابه للبحث عنه، فعلى الرغم من غضب أبي بكر عليها، وعتابه الغليظ لها في حبس الناس، قال لها بعد أن وسَّع الله على المؤمنين بالتيمم: "ما علمت إنك لمباركة"، ودخل مرة رجل على الحسن البصري، فرأى على ابنته شيئاً من الحلي، فاستغرب ذلك وأنكره، فغضب الحسن، وقال له: "أتأمرني أن أجعل بنتي طحَّانة".

لما أدرك هؤلاء العظماء: أن الحب هو جوهر الطبيعة الإنسانية، وأنه أساس مهم للنمو الإنساني: لم يحجبهم حياء، ولم تمنعهم ملامة، من إظهار محبتهم للفتيات: إما من خلال سلوكهم العملي في حسن المعاملة، أو شهاداتهم بإعلان المحبة على رؤوس الخلائق.

إن شمول الفتاة بمثل هذا الجو المفعم بالحب والعطف والحنان، كفيل بأن يُنشئها تنشئة سوية، بعيدة عن التوتر وآثاره المؤلمة، التي تُعيق سير نموها الطبيعي نحو النضج النفسي والاجتماعي.