إن الفتاة المعتزة بأنوثتها: تستهجن، وتستنكر الإهانة الكبرى التي تمارسها وسائل الإعلام ضد المرأة، وتأبى الاستمتاع بالشاشة حين تمارس اختصار الأنثى في صورة "جسد" ؛ لتكون أداة إغراء فحسب، بهدف الترويج للبضائع الاستهلاكية، وجذب المشاهدين للبرامج المختلفة من خلال عرض مفاتنها كراقصة، أو ممثلة، أو بائعة هوى، أو مغنية.
وكل هذا مُخالف لأبسط المبادئ الإسلامية وكثير من نصوص القوانين الدولية، وما اتفق عليه العقلاء. ومن المعلوم أن الدعاية الإعلامية: "عملية سيكواجتماعية مؤثرة، تأخذ مكانها بين الأفراد، ولها القدرة على تبديل معتقداتهم وآرائهم وممارساتهم اليومية، وتدفعهم إلى الإنفعال واللاموضوعية إزاء الأمور التي تحاول بثها ونشرها بينهم، كما تمنعهم من التفكير والسلوك العقلاني السَّوي المستقل المُحايد، وتُعدّ الدعاية سلاحاً ماضياً من أسلحة الحرب النفسية"؛ ولهذا سجَّل وزراء خارجية الدول الإسلامية قلقهم تجاه ما تبثه وسائل الإعلام مُخالفاً لمبادئ الأخلاق والمثل، كما استنكر المؤتمرون في مجمع الفقه الإسلامي بجدة عام 1408هـ ممارسات الإعلام في استغلال المرأة خاصة، وأوصوا بضرورة: "تطهير الإعلام المقروء، والمرئي، والمسموع، والإعلانات التجارية في عالمنا الإسلامي من كل ما يشكل معصية الله تعالى، وتنقيته تماماً من كل ما يُثير الشهوة، أو يُسبب الانحراف ويوقع في المفاسد الأخلاقية"، وتبعهم على ذلك المؤتمرون بجمعية الإصلاح الإسلامية بطرابلس عام 1413هـ، كما حثَّ المجتمعون في المؤتمر الدولي السابع لمركز الإرشاد النفسي بجامعة عين شمس بالقاهرة عام 2001م "المسؤولين عن وسائل الإعلام عامة والتلفزيون خاصة بالحدِّ من القصص والأفلام التي تنطوي على مواقف العنف والجريمة؛ لما لذلك من تأثير سيء على الأطفال والشباب".
ومن هذا المُنطلق الواقعي فإنَّ المختار للفتاة المسلمة المعاصرة اليوم أمام مفاسد الإعلام المرئي- خاصة – هو الكف عنه بالكلية، والتَّوجُّه للبدائل المشروعة في الفيديو، وأجهزة الحاسوب، وما يمكن أن يحقق ثقافة إسلامية صحيحة، وترفيهاً بريئاً، بعيداً عن المفاسد ومظانِّ الفتنة، فإن محاولة الاستفادة من هذه الوسائل اليوم بالانتقاء: أمر في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً؛ فإنَّ عنف الهجمة الأخلاقية التي تحملها بعض المناظر الإعلامية – التي لا تكاد تنفك عنها الرسالة الإعلامية بصورة مستمرة – لا تحتاج إلى وقت طويل لإحداث الخلخلة الأخلاقية في نفس المتلقي؛ فإنَّ لحظة واحدة تعيشها الفتاة مع بعض هذه المناظر الساقطة تكفي لنزع الأصل الخُلقي من جذوره.
كما أنَّ ما يُظنُّ أنه مفيد من البرامج الثقافية والدينية – إن لم تكن في حد ذاتها طعماً لجذب المشاهدين – فإنها مع قلَّتها وندرتها تأتي في آخر قائمة اهتمام الإعلاميين، إلى جانب التشويه الكبير الذي تُعرض به كثير من هذه البرامج والمسلسلات الدينية، مما يجعل أثرها الإيجابي لا يرقى إلى المغامرة بضياع الأصول الأخلاقية الكبرى، لاسيما وقد ثبت ميدانياً أن القيم السلبية التي تعرض على الشاشة أكثر بكثير من القيم الإيجابية. ومن المعلوم أصولياً أنه متى اجتمع الحرام والحلال في عمل ما: غلب جانب الحرام، والقاعدة الفقهية المحكمة تنص على أنَّ: "درء المفاسد أولى من جلب المنافع". فليس بغريب أن ترفض الفتاة المسلمة هذه المفاسد الأخلاقية – ولو بالكفِّ عنها- وقد رفضها كثير من غير المسلمين، ولا تزال في المجتمع المسلم المتحضر أُسر كثيرة لا تملك جهاز التلفزيون رغبة عنه. ولا شك أنَّ الانفتاح على العالم الخارجي شيء طيب ما دامت الأمة المسلمة تستطيع أن تحافظ على هويتها، وتقدم شيئاً مكافئاً على الأقل، أمّا والحالة هذه فإنَّ الإبقاء على الشخصية الإسلامية من الذوبان – ولو بالأسلوب السلبي- أوْلَى ، لو فات مع ذلك شيء مما يُظن أنَّ فيه مصلحة.
"وأما القول بأن ما يُعرض على التلفزيون مجرد صورة لا تأثير لها، فهو قول ساقط لا يلتفت إليه، ولو صحَّ لما كان هناك فرق بين المذياع والتلفزيون، ولم يكن له ميزة يتفوق بها"، ورغم أنَّ بعضهم يجيز النظر إلى هذه الصُّور الخليعة في التلفزيون بناء على شُبهة أنّها شحنات كهربائية وليست صوراً حقيقية، فإنه – مع ذلك – يقيدها بعدم الإثارة الجنسية الدافعة للوقوع في المحظور، وإلا أصبحت محرمة.
إن إثارة القضية الإعلامية، وأزمتها الأخلاقية من القضايا الحيوية المهمة؛ وذلك لعمق التأثير الذي تخلفه هذه الوسائل على المتلقين، كما أنَّ إثارة هذه القضية من جهة علاقتها بالفتاة المسلمة يعطيها أهمية أخرى، لكون الفتاة في التصور الإسلامي تمثل رُكناً رئيساً في التربية الإنسانية، وتعد المحضن الأول للجيل الناشئ. وقد استقر إجماع العقلاء على أهمية دور الأم في التربية، وعِظَم المسؤولية التربوية المُناطة بها، ومن ثم فقد كان ضرورياً ولازماً إعدادها إعداداً متكاملاً من جميع جوانب شخصيتها للقيام بمهام العملية التربوية، وقد أصبح من الواضح تلمس التأثير السَّلبي لوسائل الإعلام – لاسيما المرئية منها- على سلوك الشباب عامة، وسلوك الفتيات على وجه الخصوص، مما يتطلب – بالضرورة – إعادة النظر من جديد في تقويم هذه الوسائل الإعلامية في ضوء مفاهيم التربية الإسلامية، والسعي لتخفيف وطأتها السلبية على شخصية الفتاة، وسلوكها الأخلاقي.