13ـ انضباط شهوات الفتاة بخلق العفة

العفَّةُ: كفُّ النفس عما لا يحل ولا يجْمُل بالإنسان، وهي ملكة أو هيئة في النفس تضبط القوة الشهوية، وتمنع صاحبها من تعاطي الفواحش، فهي فضيلة خاصة بالجزء الشهواني من الإنسان، تؤدب قوة الشهوة بتأديب العقل والشرع، وهي أخص من الحياء؛ إذ قد تكون الفتاة عفيفة في نفسها، فلا تقع في الفواحش، إلا أنها جريئة تبدي من محاسنها، وتخضع  للرجال بالقول فلا تكون حييَّة.

ولما كانت العفة خاصة بالجانب الشهواني من الإنسان، بحيث تستلزم ضبط الفرج عن المحارم، وكف اللسان عن الأعراض بالقذف ونحوه: كان الشباب أحوج إلى هذا الخلق من الشيوخ؛ لغلبة الشهوة عليهم، ونفوذ سلطانها في جوارحهم ،فيأتي خُلُقُ العفة ليشمل أثره ضبط هذه الجوارح عما لا يحل من القبائح والرذائل، فتتصرف شهواتهم بحسب الشرع والعقل، فلا يكونون عبيداً لها، شرهين في طلبها، ولا يكونون – في الجانب الآخر – خاملين عن النافع منها، مما تحتاجه النفس ويطلبه البدن لقيام الحياة، حسبما رخصت فيه الشريعة المحكمة.

والنساء في العموم والفتيات على وجه الخصوص أقرب في الغالب إلى مسلك العفة من الذكور، حيث جعل الله تعالى لهن "صبراً على تسكين الحركات الوجدانية، وإخفاء التأثيرات النفسانية، فكانت درجة الفضيلة فيهن أشد منها في الرجال، بحيث يبلغن في درجة الحياء أوجه الكمال، فإن المرأة العفيفة الكريمة النفس تتحمل من أثقال الحركات النفسانية - عند الاحتياج إليها – ما قد يعجز عنه صناديد الرجال بل قد يصل الأمر بالعفيفة إذا انتُهك عرضها أن تختار الموت على الحياة، ولا تبقى تحت تأثير الشعور بفقدان العفة، فإنه لا شيء في الوجود يمكن أن يرفع قدر المرأة كالعفة، فإذا فقدتها فقد فقدت أثمن ما عندها، وهذا ليس ببعيد على من فقدت حياءها، فلا يبعد أن تفقد بعد ذلك عفتها؛ فإن العفة ليست جوهراً من جواهر النفس، وإنما هي لون من ألوانها يمكن أن تضعف أو تزول بضعف أو زوال المجاهدة في الحفاظ عليها.

ولعل في خبر السيدة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك، ما يدل على عمق تأثُّر الفتاة – حديثة السن – بما يخدش عفتها، حيث وصل بها الحال إلى درجة الإغماء والمرض، وانقطاع الدمع من شدة البكاء، والتفكير في الانتحار، في حين لم يُنقل عن الرجل – البكر – الذي رُميت به إلا شيء من غضب: مما يشير إلى تشرب طبيعة الفتيات بخلق  العفة، والتَّصوُّن عما لا يليق بالشريفة منهن من القبائح والرذائل.

إن الفتاة المسلمة المعاصرة تدرك بفطرتها السوية أهمية هذا الخلق، وتسعى لتحقيق آثاره في نفسها وسلوكها، وتتجنب كل ما يخدش عفتها، من ساقط القول، وقبيح الفعل، فليس شيء أثمن من العفة عند العذراء الحييَّة.