إذا صحَّ للفتاة حسن المقصد، وإرادة الخير، وميل النفس الصادق نحو السلوك الخلقي الفاضل: فإن أعظم وسيلة تتعاطاها لترسيخ المبدأ الخلقي في نفسها وسلوكها هو: الممارسة المتكررة، والتعاطي المستمر دون انقطاع ، فإن النية الصادقة لا تكفي وحدها لترسيخ الخلق، حتى وإن كان الخلق فطرياً، فإن كلَّ شيء في الكيان الإنساني يتقوَّى بالتربية والتدريب، ويضعف بالإهمال والانقطاع.
ويكاد يُجمع رجال التربية على أن الملكات الخلقية – مهما كانت قناعة الإنسان بها – لا تحصل له إلا من خلال اعتياد ممارستها، والمواظبة عليها، وفي هذا المعنى يقول الإمام الماوردي ~ٍٍِِ: "الأدب مكتسب بالتجربة، أو مستحسن بالعادة.. وكل ذلك لا يُنال بتوفيق العقل، ولا بالانقياد للطبع، حتى يُكتسب بالتجربة والمعاناة، ويُستفاد بالدربة والمعاطاة" بمعنى أن الخلق – حتى وإن كان فطرياً – لا بد له من التدريب والتعويد حتى يرسخ، وتتشربه النفس، وفي هذا المعنى أيضاً يؤكِّد الراغب الأصفهاني ~ٍٍِِ فيقول: "كل متعاط لفعل من الأفعال النفسية فإنه يتقوى فيه بالازدياد منه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، فباحتمال صغار الأمور يمكن احتمال كبارها، وباحتمال كبارها يستحق الحمد" ومصداق هذا الفهم كوسيلة لترسيخ الخلق في النفس: قول رسول الله r :(… من يستعفف يُعفه الله، ومن يستغن يُغْنِه الله، ومن يصبر يصبره الله …), يعني أن من تكلَّف هذه الفضائل، وحَرَص عليها، وتعاطاها: حصل له مقصوده من التخلق بها، حتى تصبح جزءاً طبيعياً راسخاً في كيانه وشخصيته.