إن السلوك الغريزي الذي جُبل عليه الإنسان: سلوك فطري غير مكتسب، بمعنى أنه لا يمكن إزالته، أو تعطيل أثره، أما السلوك الخلقي الحسن منه أو القبيح فهو من السلوك المكتسب –غالبًا- الذي يمكن التحكم فيه بالتعديل والتوجيه في أي مرحلة من مراحل عمر الإنسان، فإن "الشخصية الإنسانية في النظرية الإسلامية، قادرة بشكل لا حدود له على التَّشكل، وتجاوز معطيات الوضع المجتمعي، في أية مرحلة من مراحل العمر"، فلا تختص التربية بمرحلة الطفولة، ولا تقف السِّن –أياً كانت- أمام إرادة تعديل الأخلاق، فكل مراحل الإنسان بما فيها مرحلة الشباب: مكان للتربية والتهذيب، والترقي الخلقي؛ بل قد تكون مرحلة الشباب خاصة عند الفتيات أقرب لقبول تعديل الأخلاق، وتنميتها من أي مرحلة أخرى، كما أن عمق الانحراف وحجمه عند بعض الفتيات لا يحول – هو الآخر – دون إمكانية استبداله بالخلق الحسن؛ وإنما تستفحل المشكلة وتصعب عندما لا يكون هناك – أصلاً- تربية صحيحة جادة، وكافية لتواجه صعوبات النفس البشرية، وواقعها المتردي.
وأما الجانب الوراثي فإن له تأثيره في سلوك الفتاة الخلقي من جهة إفرازات الغدد، والخصائص الكيميائية للمركبات الدموية، وطبيعة المجموع العصبي، بحيث يكون في مجموعها مزاج الفتاة، وخصائصها الفسيولوجية، إلا أن تأثير هذه الخصائص الوراثية المزاجية لا يتعدى كونه استعداداً فطرياً بدائياً يمكن السيطرة عليه وتعديله، وإنما يتضخَّم ويبلغ تأثيره مداه الواسع، إذا ترك هو وشأنه دون تربية وتهذيب وتوجيه.
وقد فصَّل الإمام الغزالي ~ٍٍِِ القول في هذه المسألة الوراثية بمنطق عقلي واقعي فقال: "لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير؛ لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات… وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن، إذ يُنقل البازي من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد، وكل ذلك تغيير للأخلاق"، فاستدل ~ٍٍِِ بإمكانية تعديل خلق الحيوان الأعجمي ، ونقله بالتربية من سلوك إلى ضده: بأن تعديل خلق الإنسان العاقل أقرب للتحقيق والحصول، وإلا بطلت المواعظ والإرشادات، ولم يعد للرسل والرسالات معنى تُوجد من أجله، وكان الأمر بتحسين الخلق من باب التكليف بما لا يُطاق، وهذا لا يكون في التصور الإسلامي، ومن هنا تقتنع الفتاة وتتيقن من إمكانية تعديل الأخلاق كوسيلة تربوية تساعدها في تحسين خلقها، والترقي بها في سلم الكمالات الإنسانية.