39ـ تقريب عقيدة البعث إلى الأذهان

أجمع أهل الشرائع السماوية على إثبات البعث والنشور، وكذلك ذهبت نخبة من المفكرين من غير المسلمين إلى قبول مبدأ المعاد، واستدل بعضهم على ذلك بالمشاهدات العلمية الكونية، والاستدلال العقلي والمنطق، وقد أفاض القرآن الكريم في مناقشة أهل الباطل في مبدأ البعث والنشور، فاستدل على ذلك بإحياء الأرض الموات، فقال U : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْب مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ*وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} [الحـج:5-7]، واستدل بالنشأة الأولى على النشأة الأخرى، فقال: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [يــس:78-79]، وبين سبحانه هوان ذلك عليه فقال: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ..} [الروم:27]، وقال أيضاً: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان:28]، والآيات في هذا المجال كثيرة، خاصة في القرآن المكي.

ولما سئل رسول الله r عن مسألة البعث، قرَّبها إلى السائل في أسهل صورة فقال له: "أما مررت بوادي أهلك مَحْلاً؟ قال: بلى، قال: أمررت به يهتز خضراً؟ قال: قلت: بلى، قال: ثم مررت به مَحْلاً؟ قال: بلى، قال: فكذلك يُحيي الله الموتى، وذلك آيته في خلقه".

وقرَّب لقمان الحكيم u فكرة البعث لولده بقوله: "إن كنت تشك في البعث فلا تنتبه بعد نومك، فكذلك تُبعث بعد موتك".

إن إدراك المسلم قدرة الله المطلقة، التي لا يحدُّها حدٌ، ولا يعجزها مطلب: تجعل عقيدة البعث والنشور من أسهل العقائد قناعة وإيماناً، بحيث لا تحتاج إلى كثير أدلة -لاسيما- وقد أقر بها جمع كبير من خلق الله تعالى.