ينقسم الوجود إلى شقين: عالم الشهادة الذي يدركه الإنسان بالحواس، وعالم الغيب الذي لا يدركه إلا من خلال الوحي، فالعقل يعجز -مستقلاً- أن يحكم على شيء من عالم الغيب بالإثبات، أو النفي، أو أن يحدِّد مصلحة للدار الآخرة دون وحي من عند الله تعالى، فهذه من المسائل الخارجة عن قدرات الإنسان.
ولما كان الإنسان مخلوقاً حادثاً، لا أبدياً ولا أزلياً، فإن إدراكه لا بد أن يكون محدوداً بما تمدُّه به طبيعته، ووظيفته التي خلق من أجلها، فيكون نشاطه الفكري -المسموح به- في حدود قدراته العقلية، وما يمكن أن تصل إليه حواسه البشرية المحدودة، بحيث يقوم الضابط الفكري -المنبعث من مبدأ التكليف بالإيمان باليوم الآخر- بحجز النشاط العقلي الإنساني عن الخوض في تكهُّن وتصوِّر حقائق عالم الغيب، وأحداث اليوم الآخر، وقياس أحداث الآخرة على أحوال الحياة الدنيا، ومن جهة أخرى قبول غرائب أخبار اليوم الآخر، والإيمان بها، والتيقُّن بحدوثها ما دامت ثابتة بالوحي الصادق، واتهام العقل -عند الشك- بضعفه عن إدراك كنهها والوقوف على حقيقتها.
إن إدراك المسلم لهذا التصور، مع يقينه بالقدرة المطلقة لله تعالى: يسهل عليه قبول كل الأخبار الثابتة بالوحي عن أحداث اليوم الآخر بدءاً من رؤية ملائكة الموت ومروراً بعذاب القبر، وأحداث البعث، والحشر، والصحف، والميزان، والصراط، والجنة والنار، وغيرها من عقائد المسلمين الغيبية، ويكون تصوره عن هذه الأحداث يقيناً لا شك فيه، وتسليماً دون اعتراض.