يتأثر الناس عادة بالأشخاص وبدعواتهم من جهة آثارهم وحجم إنجازاتهم، وما حققته في الواقع من نجاح، حيث يتأثرون بذلك أكثر من تأثرهم بما تحمله هذه الدعوات من الحقائق العقلية الموافقة للفطرة البشرية، فتكون هذه الإنجازات والآثار وسائل يتقوى بها الإيمان بالرسل ويزداد.
ولقد كان لكلِّ رسول من رسل الله الكرام من الآثار والأعمال ما تعجز الجماعة الكثيرة العدد عن القيام بمثلها من تكاليف طول العبادة، ودعوة الخلق وجدالهم، والصبر على أذاهم، وتربية الأتباع، وتعليمهم، والقيام بمجاهدة المخالفين، وما يتصل بأمور السياسة، وغيرها من المهام التي تجعل الرسل -دون غيرهم- أعظم الناس على الإطلاق بلاء.
وبالاطلاع على سيرة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام يظهر أنه كان أعظم الأنبياء إنجازاً وآثاراً، من جهة كثرة الأتباع، والأثر التربوي الذي خلَّفه فيهم، ومن جهة نجاح دعوته في تغيير مجرى الحياة البشرية، واختلاف قوى التأثير السياسي فيها.
وقد عبَّر المؤرخ "ول ديورانت" عن هذه الحقيقة المؤثرة فقال: "وإذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمداً كان من أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو، وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحاً لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله، وقلَّ أن تجد إنساناً غيره حقق كل ما كان يحلم به، إلى أن قال: "أقام فوق اليهودية، والمسيحية، ودين بلاده القديم ديناً سهلاً واضحاً قوياً، وصرحاً خلقياً قوامه البسالة والعزة القومية، واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة، وفي قرن واحد أن يُنْشئ دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر في نصف العالم".
هذا الوصف المؤثر من هذا المؤرخ -غير المسلم مع التحفُّظ على بعض عباراته- يدل بوضوح على عمق الأثر التربوي الذي يُحدثه الاطلاع على إنجازات الرسل، وأن هذه الإنجازات يمكن أن تستخدم كوسيلة جيدة لإحياء الإيمان بالرسل، وتقويته في نفوس المكلفين من الذكور والإناث.