33ـ الشعور بالانتماء للرسل الكرام

يمثل الرسل عليهم الصلاة والسلام جماعة إيمانية واحدة؛ بحيث لا يصح إيمان المكلَّف إذا أنكر واحداً منهم، أو أبغضه، أو عابه بشيء، أو كره ولم يرض بسنة من سننهم المباركة، فهم كما وصفهم رسول الله r كلبن في بناء واحد؛ دعوتهم واحدة، تتلخص في توحيد الله بالعبادة، ونبذ كل ما يُعبد من دونه، كما قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]، فالغاية الواحدة تجمع الشتات، وتوحِّد المصير، ضمن مسيرة جماعية واحدة.

إن هذا الإيمان المجمل بجميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام عبر التاريخ البشري الطويل: يبعث في النفس المؤمنة روحاً متجددة، ممتدة عبر الأجيال البشرية تربط بعضها ببعض برباط أخوي إيماني، بحيث لا يحدُّ هذا الشعور الإيماني تضاريس المكان، ولا يحصره الوقت والزمان، فهو عميق في جذور الماضي بدءاً بأول موحدٍ، ومروراً بالأجيال المؤمنة المتلاحقة، وحتى آخر أهل التوحيد من البشر.

إن هذا الشعور العميق يلبي حاجة إنسانية فطرية في نفس الإنسان وهي الشعور بالانتماء؛ فما زال الإنسان يسعى جاهداً لتحقيق هذه الحاجة النفسية، والخلَّة الفطرية؛ فينتمي إلى جماعة، أو شخصية أو مذهب: يحقق من خلال هذه الانتماءات ذاته، ويكتسب منها قوة، فهو لا بد أن ينتمي، فإذا لم يتحقق للإنسان الانتماء الصحيح إلى هذا الكيان الإيماني الكبير -المتمثل في الإيمان بالرسل- فإن اصطناع الانتماءات الزائفة هو الطريق الوحيد أمام الإنسان لمحاولة إشباع هذه  الخلَّة الفطرية العميقة في نفسه، فتضيع طاقته العاطفية المنبعثة، وتُستهلك في نشاط انتمائي زائف.