تظهر عظمة الله I في خلْق الملائكة من عدة جوانب، فمن جهة العدد فإنهم أعداد لا يحصيها إلا الله، وقد أوضح ذلك رسول الله r إذ قال: "إني أرى مالا ترون، وأسمع مالا تسمعون، أطَّت السماء وحُقَّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد…"، فهذه إشارة إلى قدرته سبحانه في خلق الأعداد الكبيرة من المخلوقات، على خُلُقٍ واحد، لا يعصون أمره، ويعملون في طاعته.
كما أن في طبيعة خلقتهم، وعظم أحجامهم، وفرط قواهم ما يعتبر آية على عظمة خالقهم وسلطانه الكبير، يقول عليه الصلاة والسلام: (( أذِنَ لي أن أحدِّث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش، أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" إن إدراك هذه المعاني، والتيقُّن بها يبعث في النفس المؤمنة رهبة المقام، وعظمة الحقيقة التي عليها هذا الكون، وغفلة الإنسان عن هذه اليقينيَّات الكبرى.
ثم إن في خلْق الملائكة للطاعة المطلقة دليلاً على قدرة الله سبحانه على خلْق الخير المحض، كما أنه -في الجانب الآخر -قادر على خلْق الشر المحض المتمثل في الشياطين، وقدرته المطلقة أيضاً على خلْق ماهو وسط بينهما كالإنسان، فالإيمان بهم وسيلة لتعظيم الرب U، وإجلاله، خاصة إذا عُلم أن الملائكة رغم مكانتهم العالية عند الله تعالى، وفرط قواهم، واستغنائهم عن الخلائق بما حباهم الله تعالى من كمال الخلقة: فإنهم رغم ذلك في أمس الحاجة إلى رضا ربهم U، وفي أشدِّ حالات الخوف والرهبة منه I .