لقد أوضح الله تعالى في كتابه العزيز: بأن قدرته على الخلق، والتدبير، والإحياء والإماتة، ونحوها من أفعاله العظيمة: أنها أيسر ما يكون عليه سبحانه، وأن أمره في إيجادها لا يعدو أن يصدر عنه الأمر بالإرادة حتى يكون ما أراد واقعاً، كما قال سبحانه وتعالى: {…. إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران:47] وقوله: {… إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:148]، وقوله: {..ومَا كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر:44]، فإدراك المؤمن لهذه القدرة المطلقة لله تعالى، مع ثبوت الخبر الصادق عنه I، وعن رسوله r : فإن الإيمان بالملائكة حينئذ يسهُلُ، ويكون التسليم، كما قال الزهري ~ٍٍِِ: "من الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التسليم".
وقد ثبت للبشر عِظَم خلق السماوات والأرض، وما بثَّه الله تعالى فيهما من الدواب المختلفة التي شَهِدَ المكلَّفون بعظمته -مما وقع تحت حسِّهم- أفلا يكون ذلك داعياً إلى الإيمان بإمكانية خلق ما هو أعظم منها وما هو دونها؟ خاصة إذا علم أن الناس عموماً يعترفون بوجود الملائكة إما من خلال السماع أو العقل، وإنما الخلاف بينهم في الطبيعة التي هم عليها، لا في مبدأ وجودهم.
ولقد جرت سنة العظماء -ولله المثل الأعلى- أن يكون لهم أتباع، وجنود، ووزراء يعملون بأمرهم، ويستكثرون بهم، ولما كان وجود أمثال هؤلاء من كمال الملك الرباني خلق الله I الملائكة؛ ليقوموا بما كلفهم به من الأعمال، وهو سبحانه غنيٌ عنهم، وعن كلِّ خلْقه، فاقتضت حكمته I أن يُوكل أمر السماوات والأرض إلى الملائكة عليهم السلام، بحيث تكون كل حركة ناشئة عنهم بأمره، وأوكل إليهم إنزال الوحي، ومتابعة الخلق، والكتابة عليهم، ونفخ الروح في الجنين وكل هذه الأعمال وغيرها كثير: تكليف من الله، وهو تعالى غنيّ عن تكليفهم، ولكن كمال المُلك والحكمة البالغة اقتضت وجودهم، وقيامهم بهذه الأعمال.