رغم معاناة البشرية المعاصرة، وأنينها من طغيان المادية المفرط، وارتكاسها في حمأة انحرافات الحضارة المعاصرة، وبلوغ الأزمة الروحية مداها، فإن فطرة التدين، والميل الروحي نحو العبادة، واليقظة الدينية -خاصة في مرحلة الشباب- لا تزال قائمة في الكيان البشري لا تتبدل، ولا تتغير، ترافق الإنسان عبر تاريخه الغابر الممتد، قال الله تعالى: {فِطْرَت اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30]، فهذا الشعور الروحي الفطري لا ينفك عن التجربة البشرية خاصة في مرحلة البلوغ عند الشباب.
وقد استنبط الإمام أحمد ~ٍٍِِ (ت 241هـ) من أمر الرسول r بقتل شيوخ المشركين: أن الشباب في العموم أقرب إلى الإسلام والإيمان من الشيوخ، وتكاد تجمع البحوث التربوية في هذا الميدان على أن اليقظة الدينية عندهم: واقع مطرد، لا يكاد يتخلف، ويتمثل في انبعاث روحي يسوق الشباب نحو العبادة ومراجعة المفاهيم الدينية، وهو في الإناث أكبر وأبلغ منه عند الذكور، كما أنَّهن أكثر قناعة بالحل الديني، ويندر فيهن الإلحاد، ويقل فيهن الشك؛ ولهذا لم يذكر ابن حزم ~ٍٍِِ امرأة واحدة من بين الرواة الذين طعن فيهم، ونسبهم إلى البدعة وما قد يظهر على بعض الشباب من انتقادات عقائدية، ورفض للتصورات إنما يكون عادة في بيئات المعتقدات الباطلة التي يرفضها الحسُّ السوي، وليس رفض جملة المعتقدات، وانتقادها، ومراجعتها: سلوكاً طبيعياً عند الشباب؛ بل العكس هو الصحيح، الذي يشهد به الواقع الميداني.
وهذا الانبعاث الديني لا بد أن يحتفَّ بالرعاية التربوية التي تساعده على النمو، وتوجهه نحو الخير، فإن أهمل: اضمحل وزال أثره من النفس، فإن النفوس تحنُّ إلى أصلها المادي، ومبدأ نشأتها، فتخلد إلى الأرض،وتأبى الرفعة والسمو، وتأنس بالدعة والركود: فتغلظ وتتحجَّر حتى لربما فاقت الحجارة قسوة وغلظة، فلا يكون لها شيء من الاستمتاع الروحي، إنما استمتاعها فيما كان مادياً صرفاً؛ لهذا فإن الناحية الروحية لا تؤتي ثمارها الإيجابية إلا من خلال بيئة إسلامية مهتدية، تعيش مرتبطة بسيادة الشرع، قائمة بحق الله تعالى علماً وعملاً ومع ذلك فإن الواقع يشهد بأن غالب البرامج الموجهة إلى الشباب لا تهتم بهذا التفتُّح الديني، ولا تقوم على رعايته وتوجيهه، وهذا قد يؤدي إلى عقوبة مفادها تمرد الشباب، وانحرافه وضياعه، وهو ما يشكو منه مجتمع اليوم.