9ـ أثر الإيمان بالله في ضبط غرائز الإنسان

تُمثل الغرائز أعظم الدوافع الإنسانية التي يمكن أن تشتِّت معالم الشخصية، وتبعثر توجهها في سبل شتى، ويأتي المنهج الرباني بضوابطه المعتدلة ليوجه هذه الغرائز -بعنفها وقوتها- نحو وجهة ونسق واحد، ضمن نظام محكم، يضمن لهذه الغرائز نشاطها الطبيعي، ويوظِّفها ضمن نظامه العام في سبيل عبادة الله تعالى، وعمارة الأرض ومطالب الاستخلاف فيها؛ فالغريزة الجنسية -مثلاً- تنبعث قوية في كيان الشاب البالغ؛ لتنطلق به طرق الإشباع المختلفة، فتأتي التكاليف الشرعية، وأحكام المكلفين؛ لتضبط هذه الانطلاقة العارمة، وتوظفها في نظام الزواج المشروع، وترتفع بها إلى مرتبة العبادة واستحقاق الثواب.

ويأتي حب المال ليمتلك على الإنسان قلبه، ويصبح معبوده، وفي الحديث: ((تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة…))، فإذا بالمنهج الرباني يُحوِّل هذه الرغبة الجامحة لتكون في سبيل الله، وضمن شريعته، فيستخدم المال لعمارة الأرض، وازدهارها، وقد قال عليه الصلاة والسلام لعمرو بن العاص: ((يا عمرو نعم المال الصالح للمرء الصالح))، وقال في شأن التجارة والتجار: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء".

وكذلك باقي غرائز الإنسان كلها تنضبط بضابط الشرع الحنيف، وتُوجَّه وجهة واحدة ضمن منهج الإسلام، ويُعد ضبط الغرائز في التصور الإسلامي، وتوحيد وجهتها من أعظم نتائج الإيمان بالله تعالى، بحيث يدرك المكلَّف أنه مخلوق للانشغال بالله تعالى دون سواه، وأن الانشغال بغيره من أمور الحياة الدنيا لا بد أن يسوقه إلى الله، فيدرك في كل شيء انشغل به أمر الله فيه.