إن الإيمان بالله لا يمكن أن يكون في نفس المسلم قضايا عقلية لا واقع لها، فإن "العقيدة الإسلامية عقيدة سلوكية في المقام الأول، وليست مفهوماً ذهنياً مجرداً، والعكس صحيح، وهو أن السلوك في الإسلام عقائدي، لا قيمة له، ولا وزن، إذا لم يكن منبثقاً من هذه العقيدة مطابقاً لمقتضياتها…" والعمل بمقتضى الإيمان دليل على إذعان النفس واستسلامها، ولا يحيى الإيمان، ولا يكون تمامه إلا بالعمل بمقتضاه، وهو علامة الإذعان، كما أن ترك العمل تمرد، ولا يمكن أن يجتمع النقيضان في سلوك واحد.
وكلمة التوحيد العظمى" لا إله إلا الله" تدل على التكليف بالأعمال: الواجب، الحرام، الحلال، ونحوها وتتضمن القيام بحقوق العبودية كلها، مثل العبادات الظاهرة والباطنة؛ فإن الألوهية: هي العبادة، والعبادة بما تحمله من معاني التذلُّل والخضوع: تعني الطاعة، فمضمون كلمة الإخلاص: أن يُعبد الله تعالى وحده بما شرع وهذا ما أشار إليه المولى U في خبر استعباد الرهبان لأقوامهم، فقد قال جلَّ وعلا: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:31]، فجاء تفسير التوحيد من هذه الجهة تفسيراً سلوكياً.