يمثل المجتمع سلطة قوية ضابطة، تتعدى - في حسِّ بعضهم - السلطة الأخلاقية، إلى أن يكون " المجتمع هو النموذج والمصدر لكل سلطة أخلاقية"، بحيث يفرض نظامه الأخلاقي على الجميع، في صورة شاملة ومطردة، لا تسمح بالشذوذ أو الانفلات؛ وذلك لما يحمله من ضغط الجماعة وقوتها السلطوية.
والمجتمع المسلم إذا كان مستقيماً على النهج الحق، تتطابق تصوراته ومفاهيمه الخلقية مع سلوك أفراده الاجتماعي، فإن أي شذوذ خلقي يصدر عن بعض الأفراد: يضعهم في حالة من الغربة الاجتماعية، والشعور بالمنبوذية، مع فساد السمعة حين يشهد عليهم الناس بالسوء، فيضعف انتماؤهم إلى الجماعة، وتضعف - من جهة أخرى - ثقة الجماعة بهم، وإذا اقترن بهذا التوجه الجماعي: حصار مقاطعة ، فإن هذا من أشد أنواع العقوبات الجماعية التي يصعب على الفرد مقاومتها، والصمود لها، وهو أعظم أثرا، وأبلغ مضاءً في حق النساء عموماً والفتيات خصوصاً لحاجتهن الفطرية لمسالمة الآخرين والقبول عندهم، ورغبتهن الملحة للشعور الانتمائي، والرضى الجماعي.
وقد شرع الإسلام مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروطه وضوابطه، وجعله واجباً على أفراد المجتمع رجالاً ونساءً حسب الاستطاعة؛ ليكون بمثابة مُنبِّه خارجي: يؤثر في استجابات الفرد في المواقف الاجتماعية المختلفة إلى درجة القسْر أحياناً، حتى تبقى للجماعة ثقافتها، وهويتها، ومعالم شخصيتها: تقاوم عوامل الذوبان والاضمحلال، خاصة وأن هناك نفوساً لا تحمل مبدأ لها، ولا شخصية تميزها، إنما تعمل: للتوافق الاجتماعي أياً كان، فإذا ضعف الضغط الاجتماعي الضابط لسلوك هؤلاء، والموجه لطاقاتهم، وضعف معه نفوذ رجال الحسبة وأعيان البلد: شعر هؤلاء بالضياع، وتزعزع في نفوسهم الانتظام الجماعي، وظهرت الفردية، وتمايَزَ سلوك الناس في مناهج مختلفة، حتى يصبح من العسير الشاق جمع الناس في أطر خلقية موحَّدة، ولعل مجتمع النساء - بطبيعته الفطرية - أحوج لهذا الضغط الجماعي؛ لكونهن عادة تحت رعاية غيرهن من أفراد المجتمع، وأصحاب القرار.
ولعل مما يُعين الفتاة على القبول بسلطة الجماعة أن تعرف أن التزامها بالنظام الأخلاقي الذي يفرضه المجتمع له مردود إيجابي ليس فقط على المجتمع، بل يتعداه إلى ذاتها من حيث أنه يُدرِّبها على التحكم في أهوائها ورغباتها، كما أنه يساعدها على تكوين شخصيتها، وظهور إرادتها المفكرة.