من أهم أهداف التربية الأخلاقية الاجتماعية في الإسلام تحقيق الألفة والوئام بين صفوف المؤمنين والمؤمنات، لضمان سلامة وحدة المجتمع من التفكك والانهيار، ومن هنا فقد أمر الإسلام بكل أسباب الألفة الاجتماعية، وزجر عن كل دواعي النفرة الأخوية، فذم الأخلاق المذمومة كالحسد والغيبة والنميمة والظلم والأنانية ونحوها، واستبدلها بضدها من الغبطة والذكر الحسن، والسعي بالصلح والألفة، ونصرة المظلوم، والإيثار.
ولما كانت مجالس النساء يغلب عليها كثرة الكلام مما قد يسوق بعضهن إلى شيء من هذه الأخلاق المذمومة: كان الاهتمام التربوي بتربية الفتاة من أول أمرها على تجنب مثل هذه المنكرات الأخلاقية أمراً في غاية الأهمية؛ بحيث تتربى على أن الحسد قبيحة خلقية تسوق صاحبها إلى تمني زوال نعمة الله عن المحسود، وهذا يحمل اعتراضاً على فضل الله تعالى الذي يصيب به من يشاء كما قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ …..} [النساء:54] وعليها أن تستبدل هذا الخلق بضده من الغبطة، وسؤال الله تعالى من فضله.
كما تتربى على قبح مسلك النميمة التي تتضمن السعي بالفساد بين الناس، بغية الوقيعة بينهم، من خلال نقل الكلام بين الزميلات، مما يوقد بينهن الضغائن، ويشعل نار التباغض والتدابر، وعليها أن تستبدل هذا الخلق بضده من السعي الجاد في إصلاح ذات البين، وتوقي فسادها، من خلال نقل الحسن من الأخبار، وتلطيف الأجواء الاجتماعية بما يقوي أواصر المحبة، ويخفف من أسباب النفرة؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة، التي تفسد أمر الدين.
وأما الغيبة فهي من الأخلاق المذمومة التي قال فيها رسول الله r :( ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته). وهي من الأخلاق الدالة على قباحة الطبع، وضعف التقوى، ولعلها من أكثر الأخلاق المذمومة انتشاراً بين الفتيات حين يقعدن للتندر بالصديقات، وذكر عيوبهن من طول أو قصر، ونحولة أو سمنة ونحوها من الصفات التي قد لا تفضل المغتابة ذكرها.
وفي شعور الفتاة بأنها بغيبتها هذه إنما تأكل من لحم أختها: قد يكون من الوسائل الناجحة في كفها عن ذلك، وإعراضها عن هذا السبيل، فتستبدل هذا الخلق بعكسه من الدفاع عن الأخوات حال غيابهن إذا ذكرن بسوء، والتنبيه على الزميلات بالكف عن ذلك، والصبر على هذا المسلك حتى وإن وجدت من الجالسات شيئاً من الجفوة.
وأما الظلم فهو من الأخلاق الاجتماعية المذمومة، التي كثيراً ما تقع بين الناس، فيحصل من ذلك التباغض، والضغائن. وقد تظن الفتاة لصغر سنها، وقلَّة سلطاتها أنها بعيدة عن ظلم الآخرين، فإن الظلم أمر عام، يمكن أن يقع من أي مكلف، ومما يمكن أن يقع من الفتاة من الظلم: إرهاقها للخادمة في المنزل، ومطالبتها بما هو فوق طاقتها، أو سوء معاملتها لإخوتها وأخواتها الصغار، وعدم إعطائهم حقهم، أو أخذها شيئاً من ممتلكات الأخريات بغير حق، حتى وإن كان شيئاً يسيراً، إلى غير ذلك من المظالم التي يمكن أن تقع فيها الفتاة في الحياة الاجتماعية.
وعليها مقابل هذا الخلق أن تستبدله بغيره من إقامة العدل، والأمر به، وكف الظلم، وزجر صاحبه، والسعي في نصرة الأخوات المظلومات، ومساعدتهن في رد الظلم عنهن.
وأما خلق الأنانية، والرغبة في الاستحواذ على الخير فإنها من الأخلاق المذمومة، التي قد تدفع المتمادي فيها إلى اغتصاب حقوق الناس، والانفراد بالفضل دون الآخرين، مما يعكس على المجتمع طابع التوتر، والترقب حين ينطلق الجميع من الأنانية، بحيث يستغل كل واحد منهم غفلة صاحبه، أو ضعفه فيستأثر بالخير دونه، فتضيع الحقوق، وتذهب الألفة، وتصبح الغلبة في المجتمع لمن يستطيع أن يحمي أنانيته بقوة أكبر.
إن مما ينبغي أن تدركه الفتاة أن هذا الخلق مهما تمادى فيه الإنسان فإن درجة الإشباع لا تحصل له أبداً، فإن الإنسان الأناني لا يسأم من حب الخير، ولا يشبع من جمع الملذات، وإنما علاجه في القناعة ولهذا يقول رسول الله r :(ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس). فالقضية متعلقة بالنفس وليست متعلقة بكثرة الممتلكات والمستلذات، وليكن مقابل هذا الخلق عند الفتاة مبدأ الإيثار، فتقدم غيرها على نفسها، أو على الأقل لتسوي بينها وبين غيرها فتحب لهم ما تحبه لنفسها.
ومن هنا فلابد أن تدرك الفتاة هذه المعاني الأخلاقية حسنها وقبيحها فتأخذ بالحسن منها، وتذر السيء، ويكون ذلك نهجها الاجتماعي دون ملل أو انقطاع.