7ـ استقامة الفتاة أمام انحرافات المجتمع

لقد تميَّز القرن الثامن عشر الميلادي بالتفلُّت من الالتزامات الاعتقادية والخلقية، وما أن حلّ القرن التاسع عشر حتى تأكدت هذه الانحرافات بصورة أكبر وأوسع، خاصة بعد التقدّم الصناعي والتقني في القرن العشرين الذي تشهده المجتمعات المعاصرة، ولم تكن الأمة المسلمة بمعزل عن أحداث العالم، وتأثيراته السلبية، فقد نالت المجتمعات المسلمة نصيبها من الانحراف الخلقي في شتى الميادين، ولحق المرأة المسلمة المعاصرة قدر من هذه الانحرافات، حتى إن الإجماع يمكن أن ينعقد على "أن هناك مشكلات سلوكية بين الشباب من الجنسين، وأن هذه المشكلات تصل إلى حجم يسترعى الانتباه".

ولم تكن الفتاة المسلمة المعاصرة بمعزل عن التأثر بسلبيات الواقع الاجتماعي؛ بل نالها الحظ الأوفر مما نال المرأة في العموم، حتى إن أكثر البلاد الإسلامية محافظة: لم تخل من سقطات كثير من الفتيات، ومشاركتهن المنحرفة في كل أنواع الفساد الخلقي، بصورة مطردة ومتنامية.

إن فترة الشباب التي تعالجها هذه الدراسة: من أشد فترات الفتاة قابلية للاستهواء، ففي هذه السن عادة ترتفع معدلات الجنوح، ويبدأ فيها التوجه عند المنحرفين نحو الإدمان على الخمور والمخدرات، فقد تخضع الفتاة الساذجة لألوان من الضلال الخلقي دون تمييز، بحيث تتقبل فكرة أو سلوكاً عن الآخرين، دون معرفة وقناعة كافيتين بالأسباب المنطقية الداعية إلى هذا الخضوع، فقد تتعاطى سلوكاً شائناً لمجرد تقليد الأخريات في الجو الاجتماعي العام، فإن غالب انحرافات الأحداث إنما تكون من جهة البيئة الاجتماعية، حتى إن ضبط الأسرة الصالحة لسلوكهن يضعف أمام ضغط المجتمع المنحرف.

إن الانطلاقة الصحيحة لحل هذه المعضلة الاجتماعية المعاصرة والمعقدة الخاصة بالإناث تبدأ من عند الفتاة: بحيث تدرك أن المجتمع بكل ما يحويه من المؤسسات، والأفراد: مخلوق من مخلوقات الله تعالى، ومربوب له جلَّ وعلا، ومكلَّف بوظيفة الاستخلاف في الأرض على النهج الذي شرعه الله تعالى له، بحيث ينطبق الشِّق المعياري الحامل للتصورات العقائدية والفكرية، مع الشَّق التطبيقي العملي لهذه التصورات، فلا يكون العرف الاجتماعي في حسِّ الفتاة مقبولاً - مهما كان مطرداً في المجتمع - ما دام أنه مخالف للشق المعياري الحامل لأصول الإسلام، "فإن البعد المجتمعي في النظرية الإسلامية بُعْدٌ شرطي، أي إن الفرد يلتزم بما تسير عليه الجماعة إذا كانت هذه الجماعة مهتدية، وإلا فلا ارتباط والا التزام".

ومن هذا المفهوم الإسلامي لحدود سلطة المجتمع ومؤسساته: تعرف الفتاة أن الواقع الاجتماعي - أياًّ كان - غير مخولٍ شرعاً: لقبول أو رفض سلوكها الخلقي، إنما هو الشارع الحكيم من خلال الوحي المبارك الممثل في الكتاب والسنة، وما أجمع عليه سلف الأمة من معالم الفضيلة والأخلاق الرفيعة، كما أن مبدأ التقليد المطلق لواقع سلوك الأفراد الاجتماعي: مبدأ مستهجن عند أصحاب العقل السديد،  والنبي r يقول فيما رُوي عنه: "لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسناً، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، وإن اساؤوا فلا تظلموا"، فاختار r المعيار الحق في توطين النفس على الإحسان المطلق دون أن يكون للمجتمع دور سلبي في اختيار المكلف الراشد من الأعمال والسلوكيات، وعلى هذا النهج تكون علاقة الفتاة المسلمة بالمجتمع من حولها، فلا تتضخَّم في شعورها مكانة المجتمع إلى درجة التَّقديس، حتى تخضع لمعاييره بصورة مطلقة؛ بل يكون انقيادها للحق - قدر طاقتها - حتى وإن خالفت توجُّهات الجماعة، وكثيراً ما تكون مخالفة أخطاء المجتمع بالانعزال لمن لا طاقة له بالمواجهة أو الصمود، فإن الأخلاق منها ما هو إيجابي يغلب عليه طابع الإقدام، ومنها ما هو سلبي يغلب عليه طابع الإحجام، وبهما يكمل للفتاة جانب التربية الأخلاقية الاجتماعية، فإن "الكفَّ عن الشر داخل في فعل الإنسان وكسبه حتى يؤجر عليه ويُعاقب"، وهو ما يسميه الفقهاء بأفعال التروك،  فإن الترك فعل، وهذا هو مذهب جمهور العلماء، وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام:(…. يُمسك عن الشر فإنها صدقة), وقد سأل أبو بكر المروزي الإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله : "يُؤجر الرجل على ترك الشهوات؟ فقال: كيف لا يؤجر وابن عمر يقول: ما شبعت منذ أربعة أشهر".