6ـ تعريف الفتاة ثوابت المجتمع الأخلاقية

يتحقق انتماء الفرد إلى الجماعة بوجوده في وسط اجتماعي، يعرف معاييره وثقافته: فتتحدد من خلاله معالم سلوكه، فإن للنظم "الاجتماعية بمختلف أنواعها آثاراً هامة في تربية الفرد، وإعداده للحياة، فهي تمتزج بلحم الفرد ودمه، حتى تصبح جزءاً من طبيعته،وتؤثر في كل ما يحيط به… ويحسُّ بسيطرتها عليه حتى في حالات وحدته، ويرى نفسه مضطراً إلى الخضوع لما تقرره، وملزماً بصبِّ أعماله في القوالب التي ترسمها"، فيجْتر الفرد -بصورة تلقائية- من مخزون السلوك عنده ما يتناسب مع المواقف الاجتماعية المختلفة التي تمر به في الحياة الجماعية، ومن هنا فلابد أن تعرف الفتاة من خلال احتكاكها الاجتماعي: الأطر والأصول الأخلاقية التي تُعد مرجعاً لكل أفراد المجتمع، والتي يقيسون عليها سلوكهم، ويقوِّمون بها أعمالهم.

وتظهر أهمية إشاعة المعرفة بهذه الأطر الأخلاقية الإسلامية، وتربية الفتاة عليها من جهتين:

الأولى: أن الفرد قد يلتزم بهذه الأطر، والقواعد الأخلاقية دون أن يربطها بمصدرها الغيبي، فتكون بمثابة عادات وتقاليد لا تلبث طويلاً حتى تزول، أو تضعف أمام ضغوط الحياة المادية، فإن الشباب عادة أنصار كل جديد، فيتقبلون من الأفكار والأخلاق مالا يقدر عليه الشيوخ، فلا بد من ربط الأطر الأخلاقية بالعقيدة لتكتسب خاصية الثبات.

الثانية: إن من الأخلاق ما قد يكون مقبولاً اجتماعياً، ولا يكون مقبولاً من الناحية الاعتقادية الإيمانية، فوجود هذه الأطر الأخلاقية يساعد الفرد في احتكاكه الاجتماعي على: "أن يلتقط من البيئة جوانب السلوك المتَّفقة مع بنائه الاعتقادي، وأن يتجاهل الجوانب التي لا تتفق" مع هذا البناء، بحيث تكون العقيدة - ممثلة في هذه الأطر المرجعية - هي المحك الذي يحكم سلوك الفرد والجماعة، ويحدد المقبول من سلوكهم والمردود، فيعلم الفرد ابتداء نوع السلوك الذي يجب عليه نهجه أو رفضه في المواقف الاجتماعية المختلفة، يقول إريسكون مبيناً أهمية هذه الأطر المرجعية للفرد: "إن من المستحيل على الفرد إذا لم تكن لديه فكرة ما عما ينبغي الإيمان به واعتناقه: أن يكتسب شعوراً ثابتاً بالذات أو الهوية".

وقد ثبت ميدانياً أن السلوك الاجتماعي لأصحاب التوجه الديني من الشباب، ممن عرفوا المعيار الحق: أقرب للاعتدال، والإيثار، وإنكار الذات من غيرهم، وأن الفتيات اللاتي حصلن على ثقافة إسلامية صحيحة: يرفضن الأخطاء المتعلقة بالدين، ويتضايقن ممن يمارسها، وكذلك في الجانب الآخر حين يفقدن معايير الصواب والخطأ التي يجب الرجوع إليها: فإن احتمالات وقوعهن في الانحرافات الخلقية وأزمانها تكون أكبر وأعظم، مما يدل على ضرورة تربية الفتيات على هذه الأطر الأخلاقية المرجعية المنبثقة من العقيدة الإسلامية؛ لتكون لهن مشاعل هداية وضبط لسلوكهن الاجتماعي، في الوقت الذي تقهقر فيه تأثير الضمير في ضبط السلوك الإنساني أمام مغريات الحياة الدنيا وملذاتها.