من مظاهر المشاركة الفعالة في الحياة الاجتماعية للفتاة المسلمة: تكوين علاقات، وصلات صداقة مع القرينات من الفتيات الصالحات، بحيث يكون لدى الفتاة القدرة الكافية على إقامة علاقات اجتماعية إيجابية ناجحة مع الفتيات في الوسط الاجتماعي، فإن الإخفاق في تكوين مثل هذه العلاقات الاجتماعية: يُعدُّ من مظاهر النُّفرة، وفي الحديث: "المؤمن مؤلفٌ، ولا خير فيمن لا يألَفُ ولا يُؤْلَفُ"، فدلَّ على "أن المؤمن لكرم أخلاقه، وسهولة طباعه، ولينه يألف الناس، وتألفه الناس، لأن الإيمان هذبه، وأما ضعيف الإيمان فلا تألفه الناس لسوء خلقه، وشذوذ طباعه، ولا يألفهم لعدم إقبالهم عليه".
والصداقة الاجتماعية الصالحة من الحاجات الأشد ضرورة للفرد، فإنه لا يستطيع أن يعيش منفرداً عن الأقران، حتى وإن حاز الفضائل ، والخيرات والسلطان، فهي أفضل طرق الوصول إلى السعادة في الحياة الاجتماعية، والإنسان السعيد أحوج إليها من غيره؛ لأن السعادة تزيد وتتضاعف بمشاركة الآخرين فيها.
والصداقة بالنسبة للفتاة الشابة مظهر من مظاهر نموها الاجتماعي الطبيعي، ووسيلتها الحيوية للشعور بالذات المستقلة المتحررة من عالم الطفولة، إلى جانب أنها ضرورية لتأكيد الدور الاجتماعي الطبيعي للفتاة بصفتها أنثى، وذلك من خلال انخراطها في جماعة مماثلة لها في السن، ومتحدة معها في الجنس، فإن التجانس شرط لنجاح الصداقة ودوامها.
ولما كانت جماعة الأقران - لاسيما في سن الشباب - مجالاً اجتماعياً خصباً؛ لإشباع حاجة الفرد النفسية إلى الانتماء، من حيث: المشاركة العاطفية وتبادل الأسرار، وعرض المشكلات ، وحصول شيء من الاستجمام والراحة، فإن هذا الوسط المفعم بالتفاعل يعتبر بالنسبة للفتيات عالمهن الحقيقي ، وميدانهن الاجتماعي الرحب، الذي يحرصن بشدة على بقائه واستمراره، ويخشين انفضاضه، وربما شعرن أحياناً بمنافسته لمجتمع الكبار.
ولما كانت حاجة الفتيات ملحة للقبول في وسطهن الجماعي الخاص، فإنهن - كما يبدو - أكثر انصياعاً لضغوط الجماعة من الذكور، وأكثر انفتاحاً على الزميلات، فقد تتشتَّت هوية إحداهن ، وتنازعها الاتجاهات والأدوار الاجتماعية المختلفة، بين إرضاء أوليائها، والظهور أمام أسرتها بالمظهر اللائق، وبين إرضاء الزميلات في الجماعة، خاصة وأن الفتيات يبدأن صداقاتهن في وقت مبكر عن الفتيان، فتتعمَّق العلاقات بينهن وتكبر، إلى جانب أنهن يمارسن علاقتهن عادة في مجموعات صغيرة: تبعث الولاء بينهن وتزيده عمقاً أكثر مما تُحدثه المجموعات الكبيرة عند الذكور، فهن في العموم أقل في صلاتهن الاجتماعية، وأكثر دقَّة في اختيار الصديقات من الذكور؛ ولهذا تتضمن صداقتهن ساحة واسعة من الخبرات والأحاسيس والمشاعر المشتركة، حتى إنهن يشارك بعضهن بعضاً العواطف، والانفعالات بصورة كبيرة وعميقة، فقد يتأثرن تلقائياً في موقف مثير من خلال سلوك بعضهن الانفعالي أكثر من تأثرهن بذات الموقف.
ولعل سبب هذا التعلق الشديد بينهن: يرجع إلى التقارب في السن، وتشابه الميول والاهتمام، إلى جانب الانفتاح بينهن، والإفضاء بالأسرار الخاصة، وتقبل بعضهن بعضاً، مع اتحاد طبيعة الظروف والمشكلات، فتتقوى بذلك أواصر المحبة والصداقة بينهن لتبلغ هذا العمق.
ولما كانت طبيعة العلاقة بين الفتاة وقريناتها على هذا النحو من العمق والتأثير: فإن حسن اختيار الزميلات يتأكد، خاصة وأن: "الطبع يسرق من الطبع الشر والخير جميعاً"، ومن المعلوم أن مخالطة السفهاء تورث سوء الخلق، فقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t : "فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء"، فكما أن الفتاة تتأثر بالوسط الفاسد، وربما اقترفت من خلاله كبائر المنكرات: فإنها أيضاً تتأثر بالوسط الصالح: وتعتاد من خلاله الفاضل من الأعمال، والحسن من الأقوال؛ ولهذا جاء التوجيه النبوي بحسن اختيار الجليس، بحيث تكون الصديقة من أهل التقوى، وممن تعين على الخير، وممن تظهر عليها سمة الصلاح، فإذا خالطتها الفتاة فإنها لا تدعوها إلا إلى الخير، فإذا شعرت من نفسها ميلاً إلى هذا الصنف من الفتيات: علمت أن محبتها لهن في الله تعالى، وأنها بمحبتها ومخالطتها لهن: لا تبعُدُ عن منزلتهن كثيراً، فإن "المرء على دين خليله…" كما جاء في الحديث.
ومن أهم ما تراعيه الفتاة مع صديقاتها الصالحات: بقاء الوِّد والألفة، فتكون معهن خير صاحبة، فإن رسول الله r يقول:( خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه..), وعليها أن تتجنب كل سلوك يشينها معهن كالشَّتم والسِّباب، والتنابز بالألقاب، والتعيير، والمزاح الغليظ، وغيرها من الأخلاق القبيحة، فلا يصدر عنها إلا الحسن من القول والفعل.
وإن مما ينبغي تنبيه الفتاة المسلمة عليه أنه لا يحق لها شرعاً أن تقيم علاقة حميمة مع فتيات غير مسلمات، أو منحرفات في سلوكهن لغير مصلحة شرعية معتبرة، بحيث تذوب بينهن مظاهر البغض والنفرة، وتظهر بينهن مباهج الألفة، وكمال التجانس والاختلاط، فإن كثيراً من فقهاء الإسلام منعوا المسلمة من وضع خمارها عند الفاسقة من النساء فضلاً عن الكافرة، وبعضهم منعوها من نزع نقابها عند غير المسلمة، فكيف بالاختلاط بها، واتخاذها صديقة وخليلة؟ فهذا مما تحذَّر منه الفتاة المسلمة المعاصرة، خاصة في البلاد التي يكثر فيها الانحراف الخلقي، ويختلط فيها المسلمون بغير أهل دينهم.
ومن المعلوم في الطبائع الاجتماعية أن الضال من الناس يحب أن يوقع غيره في الضلال، فيستوي معه، والمنحرف يحب أن يوقع غيره في انحرافه، فلا يكون شاذاً في سلوكه، كما قال الله تعالى عن مقصد المنافقين من المؤمنين: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء ….} [النساء:89] يقول ابن كثير ~ٍٍِِ: "أي هم يودون لكم الضلالة لتستووا أنتم وإياهم فيها، وما ذاك إلا لشدة عداوتهم، وبغضهم لكم" وهذا مسلك المنحرفين في الغالب، ممن تشرب الذنوب والخطايا، حتى أصبحت طبعاً له، فلا يرتاح إلا بإيقاع غيره فيما تورط فيه، ولهذا يقول أمير المؤمنين عثمان بن عفان t مبيناً مسلك الفاسقة من النساء مع غيرها: "ودَّت الزانية أن النساء كلهن زوان"، وقد دلَّ البحث الميداني الخليجي على عينة من المدمنين على المخدرات: أن 92.2% من العينة تناولت أول جرعة من المخدرات عن طريق الأصدقاء دون مقابل نقدي، مما يؤكد للفتاة خطورة الصداقة، وتأثيرها على عقيدتها وأخلاقها، حين تقام على غير أسس شرعية وأخلاقية.
ومن مظاهر العلاقات الاجتماعية التي تقام أحياناً بين الفتيات لغير الله تعالى: أن تصادق إحداهن الأخرى لمصلحة مادية، فتنتفع بجاهها أو مالها، وربما تصادقت الفتاة الجميلة مع من هي دونها في الجمال: حتى تتميز بفارق حسنها في أعين الأخريات، ويكون نصيب الفتاة الأخرى من صداقتها هذه: أن تبتهج بكونها ترافق فتاة جذابة جميلة، وأقبح من هذا وأشنع أن تتعمق الصلة بين فتاتين حتى تصل العلاقة بينهما إلى حدِّ الالتصاق العاطفي، والامتزاج البدني، فيبلغ بهما عمق العلاقة إلى درجة الاشتهاء الجنسي الشاذ، والغزل الفاحش، وربما الممارسة الشاذة أيضاً، فتتعرض أخلاق الفتاتين إلى انحراف شديد، ينذر بضلال توجهاتهما الجنسية مستقبلاً، وقد يلتبس على بعض الفتيات مفهوم الحب في الله تعالى، ليصل إلى حدِّ التلامس بالأيدي، والالتصاق بالأجساد، وليس هذا من مظاهر الحب في الله، وإنما هو تلبيس الشيطان، وثوران الشهوة، خاصة وأن سن الزواج - الذي يعالج هذه القضايا - قد تأخر في عرف المجتمعات الحديثة.
إن إقامة العلاقات والصلات الاجتماعية على مبدأ الحب والبغض في الله تعالى: يحل كثيراً من مشكلات الفتيات الأخلاقية التي تكون الصداقة سبباً فيها، بحيث تقتصر صلات الفتاة الاجتماعية على من يحقق لها إشباع حاجتها النفسية للوسط الاجتماعي، ويساعدها على الاستقلال الشخصي، ومعرفة طبيعة سلوكها بصفتها أثنى ضمن نطاق ضوابط الأخلاق في مفهوم نظام الاجتماع الإسلامي