تشير الإحصاءات إلى أن أكثر المدمنين للمخدرات في العالم من الشباب حيث تبلغ نسبتهم حوالي سبعين بالمائة، ووجد أن من أهم أسباب انحرافهم: الاضطرابات الأسرية، وبعد الأب عن مسؤوليته التربوية بالوفاة، أو بسوء أسلوبه ومنهجه في التربية.
ومما يدفع الشباب -أيضاً- لتعاطي المخدرات: الفشل في الحياة، وعدم الثقة بالنفس، والعزلة، وعدم وجود الأنيس، إلى جانب عدم وجود الروابط الاجتماعية القوية المتنوعة. كما دلت بعض البحوث على أن أهم الأسباب المفضية إلى تعاطي هذه السموم: ترجع إلى الفراغ الممل، ومخالطة رفقاء السوء، ووصفت أحدى هذه البحوث أفراد العينة التي أجري عليها البحث أنهم ينتمون إلى فئات ذات ذكاء منخفض، ومستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية أيضاً منخفضة. أي: أن أكثر المتعاطين لهذه السموم من الفقراء المحتاجين، إذ يستغل المروجون حاجتهم وعوزهم لتحقيق مآربهم الخبيثة في نشر المخدرات، وبيعها بواسطة هؤلاء المحتاجين، أو بيعها عليهم خداعاً منهم بأنها تخفف عنهم هموم الفقر والحاجة، فيتورطون فيها.
وقد دل بحث آخر أجري بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية على نتائج مشابهة؛ حيث اتضح أن معظم أفراد العينة من المجموعتين المختارتين للدراسة ينتمون إلى مستويات اقتصادية متدنية. ولا شك أن استغلال حاجات الفقراء في مثل هذه الأعمال من أخبث الوسائل الدنيئة البعيدة عن الإنسانية، حيث تدل على ما انطوت عليه نفوس هؤلاء المروجين من خبث ودهاء ومكر. لهذا فإنه لا بد للدولة المسلمة أن تتكفل بالفقراء، خاصة الأحداث منهم، وتقدم لهم العون من مال، أو سكن، أو تعليم، وغير ذلك من ضروريات الحياة؛ حفاظاً على أخلاقهم، وحماية لهم من الانحراف، فليس من البدع تخصيص رواتب مستمرة من بيت المال لمثل هؤلاء الأطفال، فقد كان الطفل العادي في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعطي مائة درهم تبدأ منذ الولادة ثم تزيد حسب الحاجة، ويشترك في هذا العطاء السخي حتى اللقطاء من الأطفال، وبهذا الإجراء يمكن أن تحمي الدولة كثيراً من أبناء المسلمين المحتاجين من أن تستغل حاجتهم وعوزهم في مثل هذه المهلكة.
أما وسائل الإعلام فإن لها دوراً خطيراً في الترويج للمخدرات بصورة غير مباشرة، يقول أحد الأطباء المختصين بعلاج الإدمان: "قد ظهر واضحاً لنا أن أهم عوامل إقبال الشباب على إدمان المخدرات هو التقليد الأعمى لما يشاهدونه في أفلام الفيديو، ومن يتخذونهم من مثل عليا ممن يسمون بالفنانين، سواء كانوا في العالم الغربي، أو في عالمنا العربي، وما يشيعونه من تقليعات يقلدها الشباب".
ومن المعلوم حجم تأثير التلفزيون على الأطفال، وقدرة هذا الجهاز على توجيههم، فإن ظهور الممثل وهو يتعاطى المخدر -خاصة إن كان هو بطل القصة- فإن هذا يعد من أنجح أساليب الترويج للمخدرات، إذ إن طبقة الفنانين والممثلين تعد عند العامة والأطفال - بصفة خاصة- طبقة راقية، يقتدى بها.
ولا بد من القول: بأن ما تقدم من الأسباب التي تدفع لتعاطي المخدرات: لا تتجاوز أن تكون انحرافات فرعية لانحراف رئيسي أساسي، هو السبب الأهم والأعظم في وجود كل الانحرافات الأخرى، وهو: ضعف الوازع الديني في قلوب متعاطي هذه المواد، وقلة صلتهم بالله عز وجل، إذ لافقر، ولا ملل، ولا مشكلة أياً كان حجمها يمكن أن تسوق المؤمن المتصل بالله إلى مثل هذه الجريمة والهاوية السحيقة، فقد اتفق المصلحون على أن ضعف الوازع الديني هو سبب انتشار المخدرات، وهذا يعني أن الحل الأمثل لهذه المشكلة، ومحاربتها، وحماية النشء منها يكون بالتوعية الدينية، والتربية الإسلامية الصحيحة، في البيت، والمسجد، والمدرسة، مع التزام أجهزة الإعلام بنشر النافع. فكل مؤسسة تربوية تساهم بنصيبها في هذا المجال، مع حماية الشباب من السفر خارج البلاد حيث تنتشر المخدرات بصورة أكبر على جميع المستويات، إلا في أضيق الحدود.
أما البيت فهو أهم هذه المؤسسات، إذ يقف الأب قواماً عليه فاتحاً أبواب الخير إليه، مغلقاً أبواب الفساد عنه، فوجود الأب الصالح في البيت أعظم سبب للإصلاح - بعد توفيق الله- كما أن غيابه، وذهاب سيطرته، وسلطانه يعد أهم أسباب تشرد الأجيال الحديثة، وانغماسها في الرذائل والانحرافات المختلفة.
وإن مسؤولية الأب في هذا الجانب تتمثل في توعية الأولاد بخطر المخدرات، وطبيعة انتشارها، ويكون ذلك من خلال اصطحابهم إلى المحاضرات العامة المخصصة لمثل هذه الموضوعات. كما أن جلوسه من وقت لآخر ليزودهم بالمعلومات في هذا الموضوع يعد أبلغ في نفس الولد من غيره من الوسائل، ولا بأس بتزويدهم ببعض النشرات في هذا المجال.
ويحذر الأب أولاده من رفقاء السوء خاصة في المدرسة، والمناطق المشبوهة، وينبههم أن لا يأخذوا شيئاً من المأكول أو المشروب إلا من شخص موثوق معروف، إذ من الممكن وضع المخدر في الشراب، أوالأكل. ولا بأس بمصارحة الأولاد بهذه القضية لخطورتها، خاصة إن كان الأب يعيش في بلد يكثر فيه انتشار المخدرات، ولا ينبغي له أن يهمل في توعية أولاده بهذا الخطر فلعل تأخير يوم أو أكثر يسبب ندماً طويلاً.