15ـ واقع انتشار المخدرات

انتشرت المخدرات بأنواعها المختلفة في العالم بأسره انتشاراً لم يسبق له مثيل في التاريخ، فقد أصبح الأب لا يأمن على ولده من احتمال تعاطيه شيئاً من المخدرات على سبيل التجريب وحب الاستطلاع، أو احتمال دسها له في مأكول أو مشروب من قبل رفقاء السوء، فيتعود الولد عليها ويدمن، وربما انتهت حياته بجرعة واحدة، أو ذهب عقله للأبد، ويكون ذلك بسبب إهمال الأب وغفلته عن ولده، فإن "الأطفال والصغار في عالمنا المعاصر أشد تأثراً بالمخدرات التي أصبحت تمثل عبئاً كبيراً للمسؤولين عن محاربة المخدرات"، ولعل ذلك لسهولة استهوائهم، وإمكان إغوائهم بالترغيب والترهيب، لضعف عقولهم، وقلة مداركهم لصغر سنهم. وربما استغلوا في تهريب المخدرات لبعد الشبهة عنهم، وقدرتهم على التخفي عن رجال مكافحة المخدرات فلا يعبأ بهم؛ لهذا فإن مسؤولية الأب في حماية أولاده من خطر المخدرات واجب ديني، ومسؤولية اجتماعية، لا يجوز للأب التقصير فيها أو إهمالها.

حيث تشير كثير من الإحصاءات إلى تزايد عدد المتعاطين للمخدرات في العالم بما في ذلك العالم الثالث أو الدول الإسلامية، ففي العالم ما يزيد على عشرين مليون مدمن مخدرات، وأكثر من نصفهم بدؤوا تعاطيها قبل البلوغ، أي: في سن الطفولة، وهذا يحصل رغم التوجه العالمي ضد المخدرات، ومروجيها، ورغم الكميات المهولة التي تضبط في نقاط التفتيش المختلفة، أو عن طريق رجال مكافحة المخدرات داخل الدول.

ففي عام 1985م ضبطت سلطات الجمارك في دول العالم أكثر من مائة طن من المخدرات الطبيعية، وأكثر من ثلاثين مليون جرعة من المخدرات الصناعية، كما تم القبض على أكثر من ثمانين شبكة سرية لتهريب المخدرات في مطار هيثرو البريطاني.

ورغم الحرص الظاهر من دول العالم تجاه محاربة المخدرات إلا أن هذه الكميات المضبوطة لا تشكل أكثر من 10% من إجمالي المخدرات المنتجة والمستخدمة في العالم، ويدل على ذلك آثار هذه المخدرات المدمرة، حيث وُجد أنها خلف معظم الجرائم والكوارث، فقد جاء في تقرير لمنظمة الصحة العالمية "أن 86% من جميع جرائم القتل و50% من جرائم الاغتصاب والعنف، و50% من جميع حوادث المرور تمت تحت تأثير المسكرات".

أما بالنسبة لانتشار المخدرات في العالم الإسلامي، فبالإضافة إلى أن دول الكفر من أعداء الإسلام يعملون في الخفاء على انتشارها بين المسلمين، فإن بعض الدول الإسلامية تصدر هذه السموم وتنتجها مثل إيران، ومصر، وباكستان، وأفغانستان، وتركيا، ولا شك أن هذه الدول الإسلامية المنتجة للمخدرات هي أكثر الدول تورطاً في مشكلة المخدرات وأزمتها.

ورغم أن مصر تنتج هذا السم الفتاك إلا أن كميات هائلة من المخدرات تدخل إليها من الخارج، ففي عام 1977م تم ضبط "24197" كيلو جراماً من الحشيش، و"980" كيلو جراماً من الأفيون، و"3203" كيلو جراماً من العقاقير والأقراص المخدرة، ورغم أن ضبط هذه الكميات الكبيرة يسعد ويثلج الصدر، إلا أنها لا تتجاوز 20% من الكميات التي تدخل البلاد فعلاً وتستهلك فيها. ومما يدل على ذلك ما أكدته بعض الدراسات من أن ثلث طلاب الجامعات المصرية من المدمنين، وأخطر من هذا أن الأطفال في سن الرابعة عشرة وما دونها يجربون المخدرات بنسبة "1-3"، ويستمر منهم في تعاطيها بنسبة "1-9"، مما يشير إلى مدى الخطورة والورطة التي تعانيها تلك البلاد المسلمة.

ولعل من أسباب انتشار المخدرات بهذه الصورة المفزعة في مصر -خاصة في الفترة الأخيرة- هي سياسة الانفتاح مع الكيان الصهيوني، ومحاولة تطبيع العلاقات بينهما، مما يسهل على مروجي المخدرات من اليهود إدخال كميات أكبر إلى مصر. ومن المعروف أن اليهود يقفون في العادة خلف كل رذيلة ومنكر، فقد قبض خلال عام 1986م على ثلاثة وثمانين مروجاً إسرائيلياً للمخدرات، وهذا العدد من المروجين يدل على مدى تورط اليهود في برنامج نشر المخدرات، وتجارتها في العالم.

وهذه الإحصاءات الخطيرة التي تشير إلى حجم المشكلة في مصر تعد مؤشراً ومنبهاً إلى حجم المشكلة التي يعاني منها العالم الإسلامي بأسره، فليست مصر هي الدولة المسلمة الوحيدة المتورطة في مشكلة المخدرات؛ بل إن أكثر الدول الإسلامية محافظة قد انتشرت فيها هذه السموم، وتفاقمت مشكلتها، ففي الإحصاءات الخاصة بوزارة الداخلية بالمملكة العربية السعودية فقد ضبط حوالي ستة ملايين كبسولة مخدرة عام 1978م، وضبط عام 1984م "1111" كيلو جراماً من الحشيش والأفيون ومشتقاته، كما ضبط في نفس العام "4898" كيلو جراماً من القات، وقد اكتشف عام 1403هـ بالمملكة وجود أخطر أنواع المخدرات على الإطلاق وهي الهيروين والكوكائين والمورفين.

وقد أخذت هذه السموم بالانتشار بين الكبار والصغار على أيدي المجرمين من مروجي المخدرات، فقد دلت إحدى الدراسات الخليجية على أن عدد الأطفال الذين أودعوا دور الأحداث في المملكة بسبب المخدرات والمسكرات في الفترة من مايو عام 1981م حتى مايو 1982م، أي في سنة واحدة فقط: حوالي "334" طفلاً من الذكور، وهذا مما دفع علماء المملكة للفتوى بقتل المروج للمخدرات تعزيرًا.

فإذا كانت المشكلة بهذا الحجم في دولة كالمملكة العربية السعودية فإن غيرها من الدول الإسلامية أكثر تورطاً، وأعظم مشكلة، فعلى سبيل المثال دولة الكويت ذلك البلد الصغير القليل السكان، دلت الإحصاءات أن نسبة 1,2% من مجموع السكان يعتبرون من مدمني المخدرات، مما يدل على خطورة الوضع، واستفحال المشكلة، وربما يجد القارئ في الإحصاءات الحديثة ما هو أشد وأعظم خطراً.