13ـ أسلوب القصص والروايات في تربية الطفل

تعد القصة وسيلة تربوية هامة في منهج التربية الإسلامية، حيث لا يقتصر دورها التربوي، وتأثيرها العاطفي والنفسي على الأطفال الصغار فحسب، بل يتعدى ذلك ليشمل الكبار والشيوخ. فهذا كتاب الله عز وجل قد تضمن بين دفتيه المباركتين قصصاً كثيرة تربى عليها الكبار في العهد النبوي، وما بعده قبل أن يتربى عليها الصغار، فأثمر تأثيرها - ممتزجاً بباقي جوانب المنهج الإسلامي- نماذج بشرية فاقت كل جيل قبلها، وأعجزت كل جيل بعدها أن يماثلها أو يساويها.

إن وجود هذا العدد الهائل من القصص في كتاب الله عز وجل، وسرد بعضها بتفصيل دقيق، وذكر بعضها في أكثر من سورة، رغم الإيجاز في توضيح أحكام الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، رغم أنها أركان الإسلام وأساساته. فهذه الشعائر التعبدية العظيمة لم يرد لها تفصيل في القرآن الكريم كما هو الحال في حق القصص القرآني الذي فُصل تفصيلاً دقيقاً وكثيراً، إن في هذا إشارة بالغة الوضوح في أن لهذه القصص مكانتها وأهميتها التربوية في منهج التربية الإسلامية.

وإذا كان الأمر كذلك فإن استخدام الأب للقصة في مجال توجيه الولد وتربيته، يعد أمراً موافقاً لمنهج التربية الإسلامية الصحيح، خاصة وأن التربويين يكادون يجمعون على أهمية استخدام القصة في تربية النشء، وأن لها أثراً تربوياً جيداً على شخصياتهم، فهي تقوي الخيال عندهم، وتشد انتباههم، وتنمي لغتهم، وتدخل عليهم السرور والبهجة، إلى جانب أنها تعلمهم الفضائل والأخلاق من خلال أحداثها المثيرة.

وعند اختيار الأب للقصة يراعي بعض الأمور:

أ ) أن تهدف إلى فوائد خلقية وأدبية وعلمية مع تجنب القصص السخيفة.

ب ) أن تضم جانباً من الفكاهة والمرح لجذب انتباه الولد وإدخال السرور عليه.

ج ) إظهار الانفعالات على الوجه والصوت حسب المواقف المختلفة ليعيش الولد واقع القصة.

د ) الثناء على أصحاب الفضل في القصة، وذم أصحاب الباطل والتقليل من شأنهم.

هـ ) تجنب الوقائع التاريخية التي لا يفهمها الأطفال وليس فيها دروس أخلاقية تنفعهم، مثل مقتل عثمان t، أو موقعة الجمل، أو معركة صفين وغيرها من القصص التي لا تناسب الأطفال.

ويمكن أن يضاف إلى هذه الأمور بعض القضايا الخاصة بالقصص المقروءة، فيراعي الأب أن تكون القصة مكتوبة بخط كبير وواضح، وبلغة سهلة ميسرة، مع استخدام الصور الزاهية الملونة.

أما ما يخص اختيار القصة نفسها من بين المعروضات المختلفة من قصص الأطفال، فإن الاهتمام بأدب الأطفال، والكتابة لهم، يعتبر من الاهتمامات الحديثة في هذا العصر، وقد أصبح في الآونة الأخيرة في توسع كبير، "إلا أن معظم هذه الكتابات تتم في غياب النقد والرقابة الوطنية التربوية"، فالكتب والقصص الخاصة بالأطفال، والتي تترجم إلى العربية لا تمثل في الحقيقة احتياجات أطفالنا، ولا تعالج موضوعات تخصنا، بل هي بعيدة عن واقع حياتنا الذي نعيشه، إلى جانب أن أكثرها ضعيف الترجمة والنقل إلى العربية، فتصعب على الطفل قراءتها.

والقصص والمجلات المنشورة مثل: "سوبرمان"، و"لولو"، و"الوطواط"، و"ميكي"، وغيرها تدور أحداثها حول المغامرات، والعنف، وشخصيات خرافية وهمية غير حقيقية، وبعضها شخصيات حيوانية، أو رجال فضاء، كما أن استخدام هذه المجلات للغة العربية العامية مكتوبة ومقروءة، يعد بلا شك أشد خطراً على اللغة العربية الفصحى من كون العامية مسموعة فقط دون كتابة.

ولا شك أن لهذه القصص بجانب هدمها للغة العربية الفصحى، فإن لها أثرها السيئ في توجيه الأطفال، فهي لا تتضمن معاني تربوية رفيعة، كما أنها لا تهدف إلى غرس الأخلاق والقيم، إلى جانب أنها خرافية بعيدة عن الواقع والحقيقة، وأعظم من هذا كله أنها تُغفل وجود الله عز وجل بالكلية، وإن حدث وذكر جل شأنه، كان بلا دور حقيقي فعال، فإن أبطال تلك القصص والمجلات، هم الذين يتحكمون في الكون ومقدراته، بما أوتوا من القوة الخارقة، والأجسام العملاقة، والأجهزة الفتاكة. ولا تخفى على الأب المسلم خطورة مثل هذه المنشورات على عقيدة الأولاد وأخلاقهم.

ويضاف إلى هذا النوع من القصص والروايات التي يتجنبها الأب تلك القصص المرعبة التي تدور أحداثها حول الجن والشياطين، فإنها تضر الولد، وتوقع في نفسه الفزع والخوف، إلى جانب أنها لا تحمل قيماً، أو فائدة علمية.

والأب يجد وفرة من القصص القرآني والنبوي الذي يتميز بحقيقته وواقعيته وبعده عن الخيال والخرافة، فيقوى عند الولد صلته بالتاريخ الإسلامي المجيد، إلى جانب ما يتضمنه من تقوية العقيدة بالله، وأنه هو المؤيد للمؤمنين، المخزي للكافرين، كما أن هذه القصص يتضمن إبراز الصراع الدائم بين الحق والباطل، وانتصار الحق في النهاية، وفي القصص القرآني وصل للولد بالأمم المؤمنة السابقة وأنبيائها، فيستشعر الولد أن تاريخه يبدأ من آدم عليه السلام، وينتهي إلى آخر إنسان يقول "لا إله إلا الله" على وجه هذه الأرض، وهذا الاستشعار الهام يوقد في قلبه جذوة الإيمان، ويهبه علو الهمة والشأن، حتى وإن كان ضعيفاً مغلوباً على أمره فهو موصول بكل هذا التاريخ الطويل المجيد الضارب أطنابه في القرون الخالية واللاحقة، أما غيره من الأعداء والمجرمين فهم مبتورون منقطعون عن هذا التاريخ العظيم.

وعرض الأب للقصص القرآني والنبوي على هذا النحو الفريد له بالغ الأثر على نفس الولد، ففي مجال اختيار القصص القرآني يمكن أن يعتمد على القرآن الكريم وكتب التفسير، وفي القصص النبوي، يعتمد على سيرة الرسول r في كتاب "السيرة النبوية" لابن هشام، أو كتاب "زاد المعاد" لابن القيم، وبعض الكتب الحديثة، مثل كتاب "فقه السيرة" لمحمد الغزالي، أو "فقه السيرة" لمحمد سعيد البوطي، أو كتاب "الرحيق المختوم" لصفي الرحمن المباركفوري.

ويكون دور الأب هو التحضير ثم الإلقاء، مع التركيز على العبر والعظات مستفيداً من كتاب "السيرة النبوية" لمصطفى السباعي. أما بالنسبة لاطلاع الأولاد فيكون على الكتب الصغيرة المؤلفة لهم، كسلسلة "قصص القرآن للأطفال" تأليف محمد علي قطب، وكتاب "غزوات الرسول للفتيان" لعبد المنعم الهاشمي وغيرهما. أما إن كان الولد ذا همة عالية، ولديه القدرة على القراءة في الكتب الكبيرة، المؤلفة للكبار فلا بأس مع إشراف الأب لتوضيح ما يخفى على الولد من كلمات، أو عبارات، ومعانٍ.