الذكاء: هو سرعة الفهم عند سماع القول على الفور، فالذكي هو الذي وُهب القدرة على الفهم السريع.
ولقد أحال كثير من التربويين الذكاء إلى الوراثة، وأنها عامل مهم في تحديد ذكاء الذرية، فالأسر المتفوقة يولد لها أطفال متفوقون، والعكس صحيح، فكما أن الولد يرث من والديه سمات جسمية، فإنه يرث أيضاً منهما اتجاهات عقلية.
ويتميز ذكاء الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة بنمو سريع، ففي السنتين الأولى والثانية ينمو الذكاء ويبنى في أكبر صورة ممكنة, لهذا كان الاهتمام بالولد في هذه السنوات الأولى من عمره يعد أمراً هاماً لتنمية ذكائه وبنائه، فإن للبيئة المحيطة بالولد تأثيرها على ذكائه إما بالإيجاب، وإما بالسلب.
ويمكن للأب أن يستدل على ذكاء ولده وقوة شخصيته بطلبه لمعالي الأمور، فإذا كان مع رفاقه مثلاً لا يقول: "مع من أنا"، بل يقول: "من معي". فهو متميز بشخصيته في غير استعلاء، معتز بنفسه في غير استكبار، لا يرضى بأن يكون إمعة لا رأي له ولا كيان،. قال عليه الصلاة والسلام: (لا يكن أحدكم إمعة، يقول: أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت). يقول ابن الأثير -رحمه الله-: "الإمعة الذي لا رأي له، فهو يتابع كل أحد على رأيه … وقيل هو الذي يقول لكل أحد أنا معك".
وجاء في الحديث عن رسول الله r أنه قال: (عُرامة الصبي في صغره زيادة في عقله في كبره), والعرام بضم العين وفتح الراء تعني القوة والشراسة والشدة. فإذا وجد على الولد شئ من زيادة في الحركة، وزهد في السكون، فإن هذا لا يضر؛ بل هو دليل على فطنته وذكائه. وكثير من الآباء يعتقدون أن كثرة الحركة عند الولد، والشدة في طبعه، دليل على فساده، وهذا غير صحيح، "فقد أكد البحث الحديث الذي قام به علماء النفس أن هناك رابطة لا تنفصم بين الحركة والعقل". فإذا كان للحركة هذه الأهمية، تعين على الأب الاهتمام بالنشاط البدني للولد فلا يعيق نشاطه هذا، بل يوجهه إلى أفضل السبل لاستغلال طاقاته الحيوية والاستفادة منها، إلى جانب اتخاذه الوسائل الأخرى المساعدة على تنمية ذكاء الولد ومن أهمها التشجيع. وهذا يكون عادة مع الولد الكبير، إذ يحاول الأب أن لا يكبت جماحه، وطاقاته الفكرية، بل يحمسه إلى مزيد من التفكير والتدبير في الأمور، ويشركه في حل القضايا والمشكلات المختلفة البسيطة، ولا بأس بإشراكه في حل بعض المشاكل المنزلية التي لا يتأثر ولا ينزعج بمعرفتها. وقد كان ابن شهاب -رحمه الله- يشجع الأولاد الصغار ويقول لهم: "لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل، دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقولهم". فإذا كان عمر بن الخطاب يفعل هذا رغم وجود كبار الصحابة عنده، فيهتم بالأحداث من الفتيان، وعلى رأسهم ابن عباس - رضي الله عنهما- الذي كان يدخله في مجلس الشورى مع أشياخ بدر رغم صغر سنه، فإن هذا الأسلوب التربوي من عمر بن الخطاب t فيه إيحاء للاهتمام بالأولاد، وتشجيعهم على الإقدام، وعدم استصغارهم لقلة خبرتهم، وحداثة أسنانهم. وللأب المسلم في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t القدوة في ذلك، فلا يقلل من شأن أولاده، ولا يستصغرهم، فإن بعض الفقهاء, أجاز وصية الصبي قبل الاحتلام في سن التاسعة، رغم أهمية الوصية في الإسلام، وما يترتب عليها من أحكام وقضايا شرعية هامة.
والأب يتخذ مع ولده الأساليب الجيدة لتنمية ذكائه، ومن أهمها: تكليفه بمهام ينمي من خلالها ذكاءه، مثل أمره بشراء بعض مستلزمات البيت البسيطة، أو تسخين السيارة -إن كان كبيراً-، أو الاهتمام بأخيه الصغير، أو التعاون في دهان حائط الحديقة، أو تنظيم المكتبة، أو غير ذلك من المهمات السهلة، ويتدرج معه من الأسهل إلى الأصعب؛ ليتعود وينمو ذكاؤه.
ومن وسائل تنمية ذكاء الولد: إعطاؤه الفرصة للتعبير عن نفسه من خلال الكلام، والإجابة عن أسئلته -حتى وإن كانت ساذجة-، مع تعليمه كيف يسأل، وكيف يختار السؤال. وهذا يمكن تحقيقه من خلال إعطاء الولد الفرصة لمخالطة الناس من الأقارب وأصدقاء العائلة. فلا بأس أن يكلفه استقبال الضيوف، وإدخالهم المنزل، والتحدث معهم ريثما يتجهز الأب للخروج لهم. ويمكن أيضاً توجيهه إلى الكتابة، فيكلف أن يكتب شيئاً من مخيلته كقصة صغيرة، أو نحو ذلك. ولا بأس بالتسجيل الصوتي لما يريد أن يقوله من خطب، أو كلمات، أو قراءة من كتاب.
كما أن تعليم الولد كيف يسأل، ومتى يسأل أمر مهم، ومساعد على تنمية الذكاء عنده. فيعلمه أن يسأل في الوقت الذي لا يكون الأب فيه منشغلاً بالعمل، أو منهمكاً في الحديث. وإذا سأل سؤالاً غريباً علمه الأسلوب الصحيح في اختيار السؤال؛ فإذا سأل عن ذات الله عز وجل: أمره أن يسأل عن آياته وآلائه، وإذا سأل عن السيارة لماذا لا تطير؟، أمر بأن يسأل عن الفكرة التي تقوم عليها حركة السيارة، وهكذا حتى يتعود الولد كيف يختار سؤاله.
ولتعويد الولد التفكير قبل إلقاء السؤال: يلتزم الأب قبل الإجابة عن أسئلة الولد أن يسأله: "هل فكرت قبل أن تسأل"؟ فإن فكر أجابه، وإن لم يفكر أمره بذلك وأعطاه بعض الوقت، ثم يجيبه وقد اختار أفضل عبارة، وأنسب سؤال، فيتعود الولد بهذا الأسلوب التفكير، والتدبر فينمو بذلك ذكاؤه، وتزداد ثقته بنفسه.
ويهتم الأب بإيراد القصص المشوقة على الولد، التي تحمل بعض المعاني الرفيعة، والمعلومات الجديدة، فإن لها دوراً في تنمية ذكائه، وزيادة معلوماته، فإذا كلفه قراءة قصة ما سأله بعد ذلك عنها، كأن يسأله عن أبطال القصة، وعن الفكرة التي دارت حولها أحداث القصة، وما هي العظات المستفادة منها؟ فيعرف الولد أن القراءة للفهم والاستفادة، لا لمجرد القراءة فقط.
ويحذر الأب من أسباب إعاقة قدرات الولد العقلية وذكائه، فيجنبه الخوف الشديد الذي يؤثر على تفكيره، وحسن تصرفه في المواقف المختلفة؛ فإن التوترات النفسية الحادة تعيق التفكير السليم، وتضعف الذكاء. ويجنب الولد أيضاً الإفراط في الأكل الذي يؤدي إلى السمنة المفرطة المسببة للخمول والكسل، مما يؤدي إلى إضعاف الذكاء، إلى جانب مضارها الجسمية والنفسية الأخرى.