8ـ مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال في التربية العقلية

يهتم الأب ويراعي قضية الفروق الفردية بين الأولاد وذلك ليتمكن من تنمية ملكات الولد العقلية من ذكاء وقدرة على الحفظ وغيرها … تنمية صحيحة معتدلة بعيداً عن المغالاة والإجحاف. فقد خلق الله الناس بقدرات مختلفة متفاوتة، منهم سريع الفهم، حاد الذكاء، ومنهم الغبي قليل الإدراك، وأكثرهم المتوسطون المعتدلون. كما أن بين المعتدلين من هو أسرع فهماً وأذكى من غيره، فالفروق الفردية بين الأطفال موجودة، ولا يجوز إهمالها بحال، "فإن إغفال ما بين الأفراد … كبارهم وصغارهم من فوارق جسمية وعقلية ومزاجية واجتماعية … له أسوأ الأثر بالفرد نفسه، وبالمجتمع الذي يعيش فيه".

لهذا كان اهتمام الأب بهذه الناحية - واضعاً هذا المبدأ نصب عينيه عند تعامله وتعليمه للأولاد- يعتبر أمراً غاية في الأهمية، فلا تصدر من الأب عبارات السخرية بولده والاستهزاء به لمجرد إخفاقه في أمر من الأمور كرسوبه في الاختبار، ونجاح إخوته؛ بل إن السلوك السوي الصحيح من الأب مع هذا الولد الذي أخفق في اختباره، أن يخصه بمزيد من الاهتمام والرعاية؛ ليرفع من مستواه ويلحقه بأقرانه وإخوته حسب قدراته وإمكاناته المتاحة. أما أسلوب التقريع والإهانة فلم يكن يوماً حلاً صحيحاً، وحافزاً للاجتهاد وتحسين المستوى.

وليس من المنطق تكليف الولد الصغير فهم الأمور الكبيرة، خاصة ما تحتاج إلى إدراك للسبب وعلاقته بالنتيجة، فإن هذه القدرات تحتاج إلى طاقة عقلية كبيرة، ربما عجز عنها بعض الراشدين، ولهذا يتقبل الأطفال الصغار الخرافات، وكثيراً من التفسيرات والمعتقدات دون نقاش أو تمحيص؛ لعدم قدرتهم على الاستدلال والتركيز لفهم الأدلة واختبارها. ولهذا ينصح بعدم تعليم الأطفال الصغار في المدارس دفعة واحدة في سن مبكرة جداً. ولعل ذلك لظهور هذه الفروق العقلية بين الأطفال ظهوراً واضحاً في الطفولة المبكرة، وقد نصح بذلك أيضاً التابعي الجليل سعيد بن جبير -رحمه الله-، فرأى أن يترك الطفل الصغير في أول الأمر مرفهاً ثم يؤخذ بالجد على التدريج. فمبدأ الأخذ بالفروق بين الأولاد مبدأ صحيح، يجب الأخذ به، ومعاملة الأولاد على ضوئه، فلا يطالب الأب جميع الأولاد بنفس الإنجاز، بل لكل قدرته وطاقته، كذلك لا يحمل الولد الأصغر ما يحمله للكبير، بل يراعي فرق السن والقدرات المختلفة.