يتعلم الطفل في سنواته الأولى أكثر بكثير مما يتصوره الآباء، فإن العادات يمكن أن يكتسبها بسهولة كلما كانت سنه أصغر، فإن "90%" من العملية التربوية تتم في السنوات الخمس الأولى، كما أن الطفل في هذه الفترة يميل إلى إرضاء والده، ويحاول أن يخرج منه عبارات الثناء والإعجاب. فمن البديهي أن يستغل الوالد هذه الفترة الهامة في تعليمه وتوجيهه الوجهة الحسنة. يقول ابن الجوزي -رحمه الله- في هذا المجال: "أقوم التقويم ما كان في الصغر، فأما إذا ترك الولد وطبعه فنشأ عليه ومرن كان رده صعباً. قال الشاعر:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلـت ولا يلين إذا قومتـه الخشـب
قد ينفع الأدب الأحداث في مهل وليس ينفع في ذي الشيبة الأدب
ويرى البعض أن توجيه الطفل يبدأ منذ نعومة أظفاره منذ الفطام. فلا مجال للأب أن يسوف، أو يؤخر مسألة التعليم إلى أن يكبر الولد.
ومن هذا المنطلق الهام، جاءت السنة المطهرة بالتوجيهات للآباء بأن يلتفتوا إلى أبنائهم، وأن يحسنوا تعليمهم وتأديبهم، فقد روي عن رسول الله r أنه قال : (لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع) وقال أيضاً:(ما نحل والد ولداً من نحل أفضل من أدب حسن), وجاء التحذير لمن فرّط في هذه المهمة العظيمة، وأهمل تربيته، فقد قيل: "أول من يتعلق بالرجل زوجته وأولاده فيقفونه بين يدي الله عز وجل فيقولون: يا ربنا خذ لنا حقنا من هذا الرجل، فإنه لم يعلمنا أمور ديننا". لهذا كان واجباً على الأب أن يكون عالماً بأمور الدين محيطاً بالحلال والحرام، وأساليب التربية، ومبادئ الأخلاق وقواعد الشريعة، فإن لم يكن عالماً بها وجب عليه تعلم ما لا يعذر بجهله من أمور الدين، وذلك ليعبد الله على علم ويقين، وأن يعلم أولاده أمور دينهم، وما أوجبه الله عليه من الأوامر والنواهي، والحلال والحرام، فإن لم يفعل ذلك وأهمل، فإن تربيته لأبنائه سوف تكون منحرفة، وبالتالي ينحرف الأطفال، ويكونون عبئاً على المجتمع إذا كبروا. ومن المعروف أن التربية الخاطئة تعد أهم العوامل صلة بالجرائم.
والطفل في صغره لا يعرف ولا يميز بين الصالح والطالح، والخير والشر، إنما لديه رغبة يحس بها في نفسه تدفعه إلى طاعة من يوجهه ويرشده، فيعيش تحت سلطته وإمارته، فإن لم يجد هذه السلطة الموجهة الضابطة لتصرفاته والموجهة لها، فإنه ينشأ قلقاً حائراً ضعيف الإرادة والشخصية، لهذا فإن دور الأب هام لاستقامة شخصية الطفل، وتحقيق التوافق النفسي عنده.
وفي مجال التعليم العملي للطفل فللأب في رسول الله r القدوة في ذلك، فقد روي أنه رأى مرة غلاماً لا يحسن سلخ الشاة فقال له:( تنح حتى أريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الإبط ثم مضى), وهكذا لا يمنعه عليه الصلاة والسلام انشغاله بأمور المسلمين الكبرى عن توجيه غلام صغير إلى سلخ شاة، فقد كان بالإمكان أن يقوم غيره من الصحابة بذلك، ولكن لتتم القدوة والأسوة به في هذا المجال قام عليه الصلاة والسلام بنفسه بتعليم الغلام. فما الذي يمنع الأب من الاجتماع بأولاده في أوقات متفرقة منتظمة، يعلمهم أمور دينهم فهي أهم من ذبح الشاة والغنم، فإن بعض علماء السلف كانوا يجمعون الصبيان الصغار، فيحدثونهم، ويعلمونهم أمور دينهم، ولا يترفعون عن ذلك.
والأب غير مطالب بأسلوب، أو منهج معين في تعليم أولاده، إنما المقصود هو تعليمهم وتثقيفهم، وتحصينهم بالعقيدة الإسلامية الصحيحة، والأخلاق والآداب الإسلامية معتمداً على القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والسير وغيرها من المصادر. فإن صعب عليه أسلوب الإلقاء والمحاضرة انتهج أسلوب القراءة، فيحضر لهم فقرة من باب معين من أبواب الفقه، أو السيرة أو غيرهما. مراعياً الإيجاز، وسلاسة الأسلوب، وقدرات الأولاد العقلية، فيقرأ ذلك عليهم، ويجيب على أسئلتهم. كما يمكنه أن ينتهج معهم أسلوب الأسئلة، فيكتب بعض الأسئلة في بطاقات صغيرة، ثم يأمر الأولاد بأن يأخذ كل واحد منهم سؤالاً يجيب عنه.
والمجال في هذا متسع، فيمكن للأب أن ينتهج ويبتكر أساليب أخرى في هذا المجال. وتعليم الأطفال وتربيتهم لا يعتمد على حلقات الدروس فقط؛ بل يستغل الوالد كل وقت يراه مناسباً فيوجه فيه ولده إلى حفظ سورة من القرآن الكريم، أو آيات منه أو حديث، أو ذكر معين من الأذكار الواردة، فبإمكانه استغلال الوقت الذي يقضيه مع الولد حين يأخذه في السيارة إلى المدرسة ذهاباً وإياباً. وهي فترة لا بأس بها يمكن أن يستفاد منها. والمقصود استغلال جميع الأوقات المناسبة في توجيه الولد وتعليمه وتثقيفه، خاصة إذا كان الأب كثير المشاغل، قليل الوقت.