لا تخفى على الأب أهمية تحصين الأولاد بالأذكار والتعاويذ المشروعة الواردة في القرآن الكريم وعن رسول الله r والتي تحميهم بإذن الله من تسلط الشياطين عليهم بحيث يقوم الأب بنفسه بترديد الأذكار وتحصين الأولاد بها، فقد ورد عن رسول الله r قيامه بتعويذ الحسن والحسين، فيقول :(أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة ), ويقول:(عوذوا بها أولادكم، فإن إبراهيم عليه السلام كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق عليهما السلام) فيقوم الأب بذكر هذا الدعاء على الأولاد وتحصينهم به، ويضيف إلى ذلك قراءة [قل هو الله أحد والمعوذتين]، ويمسح بها بدن الولد، فإن الرسول r أمر أحد أصحابه بقراءتها مع المعوذتين، لتكفيه وتحميه من كل شيء، ويحاول الأب أن يكرر هذه الأدعية والأذكار يومياً خاصة عند النوم وفي المساء.
وهناك قضية مهمة يغفل عنها كثير من الناس وهي مسألة انتشار الشياطين في أول الليل، واحتمال وقوع الأذى منهم للأولاد، فقد روى البخاري وغيره أن رسول الله r قال:( اكفتوا صبيانكم عند العشاء فإن للجن انتشاراً وخطفة ), أي: امنعوا أولادكم الحركة في هذا الوقت وضموهم إليكم. وهذه مسألة مهمة للغاية، فإن بعض الآباء لا يكترث لها، ويترك أولاده في هذه الأوقات يلهون في فناء المنزل، أو الشارع، والواجب الأخذ بنصيحة رسول الله r، ومنعهم من ذلك، كأن يجعل ذلك الوقت وقت تناول طعام العشاء، أو يجعله وقت جلوسه معهم. والمقصود هو كفهم عن الحركة واللعب في ذلك الوقت، والأب يتخذ من الوسائل المناسبة والمفيدة ما يحقق هذا الأمر ويحفظ الأولاد.
أما قضية تعليق الأدعية القرآنية، وبعض الأذكار النبوية الواردة على الولد الصغير قبل أن يعقل، فإن السلف -رضوان الله عليهم- قد اختلفوا في ذلك، وكان عبدالله ابن عمرو -رضي الله تعالى عنهما- يفعله. والأولى ترك ذلك خروجاً من الخلاف. أما الأذكار غير الواردة في القرآن ولا في الحديث، خاصة غير المفهومة منها، ولا يعلم ما كتب فيها، أو الخرز والخيوط وغير ذلك، فإنها حرام، ولا يجوز تعليقها، وهي من التمائم التي ورد النهي عن استعمالها، فيحذر الأب من تعليقها على الولد، فقد قال عليه الصلاة والسلام:(إن الرقي والتمائم والتولة شرك). والأفضل والأولى التعويذ بالقراءة الواردة دون تعليق، فإن عجز الأب عن القراءة وتعويذ الأولاد في بعض الأوقات كلف أهله بهذه المهمة.
ويجنب ابنه الأماكن التي يكثر فيها الشياطين، ويقلل من بقائه فيها، مثل الأسواق، ودورات المياه، وأماكن اللهو المحرم، والمجالس التي لا يذكر فيها اسم الله، ويكثر فيها اللغط وفاحش القول، ويحبب إليه الأماكن التي يهرب منها الشيطان، وهي: أماكن ذكر الله، وقراءة القرآن، والمساجد لاسيما وقت الأذان والإقامة، فإن الشيطان يهرب منها كما جاء في الحديث:( إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص).
والمقصود هو أن يأخذ الأب حيطته بتحصين الأولاد من مس الشياطين وغوايتهم بتعويذهم بالأذكار الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة حتى يكبروا ويعقلوا ويتولوا ذلك بأنفسهم.
ولا شك أن الذكر والدعاء يحصن الولد من مس الجان وإيذائهم، ولكن ربما وقع بقضاء الله وقدره مس من الجان للولد، وظهرت عليه علامات الأضطراب، أو الصرع والتشنج، فإن مسارعة الأب بالتلاوة والذكر على صدر الولد، وإعطائه شيئاً من ماء "زمزم" وقد تلي عليه بعض القرآن، يعد أفضل إجراء في هذه الحالات، وأنجح من أخذه إلى الطبيب، إلا أن يظهر بعد ذلك أن القضية عضوية وليست نفسية، وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام القراءة على من أصابه شيء من مس الجان، فقد أتت النبي r امرأة، فقالت:( إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه كل يوم مرتين، فقال رسول الله r: أدنيه، فأدنته منه، فتفل في فيه، وقال: أخرج عدو الله أنا رسول لله). وإذا لم يكن الأب قادراً على التلاوة أخذه إلى أحد الصالحين، ومن يظن بهم الخير ليدعو له ويتلو عليه ما تيسر من القرآن، والأذكار النبوية المباركة.