21ـ الألعاب والرياضات المحظورة على الطفل

21 - الألعاب والرياضات المحظورة على الطفل

جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم بعض الألعاب التي كانت على عهد رسول الله r مثل اللعب بالنرد؛ وهو عبارة عن قطعتين مكعبتي الشكل، على كل وجه من وجوهها رقم، يبدأ من العدد واحد، وحتى العدد ستة. قال عنها عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: ((من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه))، وفي رواية صحيحة عند الحاكم في المستدرك: ((من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله))، وفي رواية أخرى له أيضاً بلفظ: ((من لعب بالكعاب أو قال بالكعبات فقد عصى الله ورسوله)). وألفاظ الأحاديث كلها تخص النرد المعروف، والمسمى اليوم بالزهرأو الطاولة. والنردشير: هو النرد، والكلمة أعجمية معربة. والكعاب: هي أيضاً فصوص النرد.

وهذه الأحاديث واضحة في تحريم اللعب بالنرد مطلقاً، وقد اتفق السلف رضوان الله عليهم على حرمة اللعب به؛ ونقل بعضهم الإجماع على ذلك، وهذا لأنه يورث العداوة والبغضاء عند اللاعبين، ويصدهم عن الذكر والصلاة، ويشغل القلب بغير الله U.

ويقاس على ذلك الشطرنج، فقد ذهب جمهور العلماء إلى تحريمه والمنع منه، ولعل علة تحريمه كعلة تحريم النرد؛ لما يوقعه في النفس من الشحناء، والبغضاء، والكراهية، والالتهاء عن الذكر والعبادة. وقد ذكر البيهقي رحمه الله أقوال السلف في ذمه وكرهه ـ بعد أن ذكر أقوال بعض الذين رخصوا فيه ـ ثم بين أن الأكثر على حرمته، ومنهم من يُحتج بقوله.

وهاتان اللعبتان المشهورتان، يحذرالأب المسلم من تقديمهما لأولاده، أو السماح لهم باللهو، أو اللعب بهما؛ بل عليه أن يؤمن لهم من الألعاب المباحة ما يشغل فراغهم، ويسد حاجتهم. ففي ما أباح الله من اللهو كفاية. ولا يلتفت إلى الخلاف في هذه المسألة، فإن الاحتياط في مثل هذه القضايا مطلوب، خاصة وأن مذهب الجمهور التحريم والمنع؛ كما تقدم.

ومن الألعاب المنهي عنها أيضاً، والتي كانت على عهد رسول الله r: اللعب بالحمام على سبيل تطييرها، وإضاعة الوقت بها. فقد قال عليه الصلاة والسلام عندما رأى رجلاً يتبع حمامة: ((شيطان يتبع شيطانة)). أي يقفو أثرها ويلعب بها، وسُمِّي شيطاناً؛ لاشتغاله بما لا يعنيه، وسُمِّيت شيطانة، لأنها ألهته عن الحق، وشغلته عما يهمه في دينه ودنياه. وهذا الفعل من عمل أهل البطالة قليلي المروءة. فيكره اللعب بها. أما اتخاذ الحمام ونحوه للأكل، والتكاثر، والأنس بها فلا بأس.

ويجنب الأب أولاده تصوير وتجسيم ذوات الأرواح؛ لورود النهي عن ذلك، ويشغلهم بالرسم والتصوير المباح للحجر أوالشجر، ويصرفهم عن هذه الألعاب بالبدائل المباحة.

ويحذر الأب من مشاركة أولاده في بعض الألعاب التي تدخل في القمار، مثل شراء ما يسمى ((باليانصيب)) المعتمد على الحظ في كسب المال، فهو من الكسب المحرم، إلى جانب أنه يضيع المال، وكذلك يمنعهم من جميع أنواع الرهان، إلا ما ورد إباحته في الشرع من أمور الإعداد للحرب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر))؛ فالتسابق بغير عوض جائز في جميع أنواع الرياضات، أما ما وضع له عوض، فإنه لا يجوز، إلا فيما حدده الحديث بالتسابق بين الخيل، والإبل، وفي الرمي؛ لأنها من آلات الحرب المُرغَّب في تعلم فنونها.

وقد جاءت الحضارة المادية اليوم بألعاب كثيرة مباحة في أصلها وفكرتها، ولكنهم أضافوا إليها إضافات منحرفة، وصبغوها بصبغة قبيحة مذمومة. ومن هذه الألعاب المصارعة بين شخصين، فهي في الأصل جائزة، إنما الممنوع الذي يخرجها عن كونها جائزة شرعاً: الوحشية، والفوضى التي تُشاهد في حلبات المصارعة في هذه الأيام، إلى جانب محظورات كشف العورة.

وأما المصارعة الصحيحة والمباحة ((تكون في إظهار القوة بالتغلب على الخصم وطرحه على الأرض والتحايل في صد هجمات العدو، وعدم تمكينه من النيل منه، وكل ذلك يتم بمهارة وفن، لا بالضرب واللكم)).

ويدخل أيضاً في المنع رياضة الملاكمة لما فيه من الخشونة، والوحشية المفرطة. وإلحاق الأذى بالخصم، خاصة في الرأس؛ لوقوع الضرب عليه، وربما أتلفت هذه الرياضة الوحشية عين الرجل، أو أنفه، أو سببت له ارتجاجاً في المخ. وتنفير الأولاد من ممارستها، ومشاهدتها، أمر يتولاه الأب ويحذر من إهماله.

كما أن هذه الأنواع من الرياضة تخالف ما تهدف إليه المواثيق الرياضية المتفق عليها من تقوية البدن، وحمايته من الأمراض، وإكسابه الرشاقة، وتنمية العضلات، وغير ذلك مما نصت عليه هذه المواثيق الرياضية؛ فإن مباراة واحدة من مثل هذه تذهب بكل ما بناه المصارع أو الملاكم في سنوات، وربما حرمته هذه الجولة من ممارسة الرياضة بالكلية. فلا شك في أن مثل هذه الممارسات الرياضية لا يقرها الإسلام، ولا يجيزها الشرع ولا العقل السوي.

وهناك بعض الألعاب الخطرة التي يمارسها بعض الأطفال دون روية، مثل اللعب بالآلات الحادة، أو الأدوات الحديدية القوية، وتخويف بعضهم البعض بها، وهذا النوع من اللعب جاء النهي عنه على لسان رسول الله r حيث قال: ((من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه؛ حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه))، وبين عليه الصلاة والسلام سبب المنع في رواية أخرى قال فيها: ((لا يشير أحدكم إلى أخية بالسلاح. فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار)). فالشيطان متربص بالإنسان أثناء حمله السلاح على أخيه، فيرمي في يده، ويحقق الضربة والرمية، فيناله الذم والخسران. فإذا كان هذا المنع في حق الكبير فكيف بالولد الصغير الذي لا يعقل ؟؛ لهذا يحرص الأب على تخلية مكان اللعب من جميع الأدوات الحادة أو القاسية، مثل قطع الحديد، أو الأخشاب القوية الثخينة، أو الأحجار، أوغيرذلك مما يمكن أن يؤذي، ويبالغ في ذم من ثبت عليه من الأولاد ارتكاب هذا المحظور، ويعاقبه إن احتاج الأمر، متخذاً أسلوب التدرج في إيقاع العقوبة.

ومن هذه الألعاب الخطرة أيضاً: اللعب بربط الحبل على العنق ثم شده، أو وضع الرأس داخل كيس من البلاستيك ثم ربطه، أو قذف بعض قطع الموالح في الهواء ثم التقاطها بالفم مباشرة، فهذه الألعاب وما شاكلها يمكن أن تذهب بحياة الولد، وتفجع أهله به. وتحذير الأولاد منها، ونهيهم عن مزاولتها، واجب على الأب يقوم به تجاه أولاده، ويحذر كل الحذر من أن تصدر عنه مخالفة لما يقول، كأن يُشاهد وهو يقذف بقطعة من الفستق في الهواء ثم يلتقطها بفمه أمام الأولاد، فإنهم يقلدونه فوراً، إما بحضوره ووجوده أو في عدم وجوده.

وينبغي أن يعرف أن كل لعبة أو رياضة مباحة إذا عارضت شيئاً من مفاهيم الإسلام كانت محرمة. فالرياضة التي تتسبب في تأخير الصلاة، أو إيقاع الشحناء والبغضاء بين المسلمين، أو الرياضة التي تؤذي الجسم وتتلفه، أو الرياضة التي تستهلك جميع وقت المسلم، كل هذه الرياضات وإن كانت من النوع المباح تصبح محرمة لهذه الأسباب التي صاحبت ممارستها.

فهذا الهوس الكروي، والتعصب، والمشاتمة، وغيرها من مظاهر الخطأ والانحراف، التي تصاحب عادة المباريات الكروية: لا توافق الإسلام، لأنها تعارض أبسط مفاهيم الأخوة الإسلامية ومتطلباتها، وربما سببت الفرقة والتناحر، أو القتل، ففي بريطانيا وقع اثنان وأربعون قتيلاً بسبب مباراة في كرة القدم، وهذا لاشك ينافي ويعارض مفاهيم هذا الدين الحنيف الذي يأمر بالأخوة بين الأفراد، ونبذ الخلاف، والفرقة، والعمل على تأليف القلوب، كما أنها تعارض مفاهيم الإسلام في تحديد القصد والغاية من ممارسة الرياضة، إذ إن الرياضة عند المتعصبين غاية في حد ذاتها، أما عند المسلم الواعي فهي وسيلة لتقوية البدن، والإعداد للجهاد.

لهذا يحرص الأب على بث هذا المفهوم في روع الأولاد، وإشعارهم دائماً بأن الرياضة وسيلة إلى الجهاد بتقوية البدن وإعداده، وليست غاية في حد ذاتها، مراعياً طبيعة الممارسة، ووقتها وآثارها على الأولاد، ومتجنباً الألعاب والرياضات المخالفة للدين والأخلاق الإسلامية.