19ـ مكان اللعب والرياضة للطفل ووقتهما المناسب

19 - مكان اللعب والرياضة للطفل ووقتهما المناسب

يميل الأولاد إلى الحركة واللعب في جميع الأوقات، وفي كل مكان، ومن الصعب المتعذر منعهم من ذلك، فاللعب في مرحلة الطفولة هو مهنة الطفل التي يعبر بها عن نفسه، وكيانه، ويفهم عن طريقها الوجود والبيئة من حوله، لهذا لا ينبغي أن يمل الأب من كثرة حركة ولده ونشاطه، فهي ضرورة لنموه، وطبيعة في أصل خلقته وتكوينه.

ولا يعني هذا ترك الولد بلا توجيه وإرشاد في اختيار مكان ووقت اللعب، فإن هذه مسؤولية الأب يحددها مع الولد دون إفراط أو تفراط.

وفيما يخص مكان اللعب فقد ثبت في السنة المطهرة أن مكان لعب الأولاد على عهد رسول الله r وما بعده في عهد الخلفاء: كان في الطريق،   وكانوا يقرونهم على ذلك، ولا ينكرون عليهم، ولايمنعونهم، فقد روى الإمام أحمد في المسند أن رسول الله r خرج إلى طعام كان قد دعي إليه مع بعض أصحابه، ((فاستقبل رسول الله r أمام القوم وحسين مع الغلمان يلعب فأراد رسول الله r أن يأخذه فطفق الصبي ههنا مرة، وههنا مرة فجعل رسول الله r يضاحكه حتى أخذه)).

وعن عقبة بن الحارث قال: ((صلى أبو بكر رضي الله عنه العصر، ثم خرج يمشي، فرأى الحسن يلعب مع الصبيان فحمله على عاتقه وقال: بأبي شبيه بالنبي لاشبيه بعلي. وعلي يضحك)). وكان عمر الحسن إذ ذاك سبع سنوات.

وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مر على عبد الله بن الزبير وهو صبي يلعب مع الصبيان ففروا ووقف هو، فقال له عمر: ((مالك لم تفر مع أصحابك ؟)) قال: ((ياأمير المؤمنين لم أجرم فأخاف، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك))، ومر ابن عمر رضي الله عنهما مرة في الطريق فرأى صبيانا فأعطاهم درهمين.

ومما تقدم من الأحاديث والروايات يتضح أن لعب الصبيان على عهد رسول الله r، وعهدي أبي بكر وعمر: كان في الطريق دون نكير، أو منع. ولعله كان أنسب مكان للعب في ذلك الوقت.

أما في ظروف اليوم، وأحوال المدن فإن لعب الأولاد في الطريق يعد مخاطرة بحياتهم، لوجود السيارات، والعربات، والدراجات النارية التي تغدو وتروح، أما في ذلك العهد القديم لم تكن هناك خطورة، فوسائل النقل كانت الدواب وخطرها على المارة قليل.

والمستحسن اليوم توفير أماكن مأمونة للعب الأولاد في داخل أحياء المدن المزدحمة، وتسويرها، لضمان حمايتهم من خطر السيارات، كما يمكن تأمين أندية خاصة بالأطفال، أو فروع خاصة بالأطفال داخل الأندية الرياضية الكبيرة ليمارس الأولاد فيها لعبهم. 

وإن لم يتمكن الأب من كل هذا، ولم تتوفر هذه الإمكانات، خصص لأولاده مكانا في فناء المنزل، أو على سطحه، أو على الأقل خصص غرفة في البيت يمارس فيها الأولاد بعضاً من لعبهم، ورياضتهم السهلة، ويكمل هذا النقص الحاصل من ممارستهم للرياضة في البيت بأخذهم من وقت لآخر خارج المدينة في نزهة حيث الهواء الطلق، والمكان المأمون لممارسة بعض النشاطات الرياضية الأخرى.

أما إن كان سكن الأب خارج المدينة في قرية من القرى البعيدة عن صخب المدن، وازدحام السيارات، فإن لعب الأولاد في الطريق لا بأس به، مع مراعاة الحقوق العامة، وآداب الطريق.

ويتخير الأب لأولاده وقت اللعب حين اعتدال الجو. ويحذرهم من اللعب في الشمس أثناء شدة حرارتها في الظهيرة، لقوله عليه الصلاة والسلام فيما روي عنه: ((لاتطيلوا الجلوس في الشمس، فإن الشمس تغير اللون، وتقبض الجلد، وتبلي الثوب، وتبعث الداء الدفين)). وربما أصيب الولد بالضربة الشمسية، لطول مكثه تحت أشعتها الحارة، فيراعي الأب هذه القضية الصحية، خاصة إن كان في بلاد حارة، فيتخذ مظلة في فناء الدار تقي الأولاد أشعة الشمس، أو يلزمهم باللعب وقت اعتدال الجو، ويشغلهم في غير ذلك الوقت باللعب داخل المنزل.

وروي أن رسول الله r أمر عليا رضي الله عنه أن لا يبقي الحسن والحسين -رضي الله عنهما- في الحر، فقد روت فاطمة -رضي الله عنها- : ((أن رسول الله r أتاها يوما فقال: أين ابناي ؟ فقالت: ذهب بهما علي. فتوجه رسول الله r فوجدهما يلعبان في مشربة. وبين أيديهما فضل من تمر. فقال: ياعلي ألا تقلب ابني قبل الحر)). فهذا أمر من رسول الله r لعلي بأن يحفظ الحسن والحسين -رضي الله عنهما- من الحر، الذي يمكن أن يضر بهما. وللأب المسلم في رسول الله الأسوة والقدوة في ذلك رحمة بالأولاد، وإشفاقا عليهم.

ويحفظ الأب أولاده أيضا من اللعب في المطر خاصة أثناء الصواعق والبرق، فقد روي أن الحسن والحسين كانا عند رسول الله r في المسجد أثناء الصلاة، فقال أبو هريرة رضي الله عنه بعد أن انتهت الصلاة: ((ألا أذهب بهما عند أمهما ؟ قال: لا، فبرقت برقة، فقال: الحقا بأمكما. فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا )) . وفي هذا الحديث تظهر شفقة رسول الله r وحرصه على سلامة الأولاد من أذى الصواعق والمطر، وأمره بحفظ الأولاد في البيوت في هذه الأوقات، وعدم السماح لهم باللعب خارجها حتى يصفو الجو.

وأفضل أوقات ممارسة الرياضة: عند الصباح قبل تناول الإفطار. وتنظيم ذلك  يكون بعد استيقاظ الولد من نومه فيؤمر بالاستحمام، ثم يعطى فرصة للعب بعض الوقت، ثم يطعم شيئا يسيرا من الأكل، ثم يعطى فرصة أطول للعب والاستمتاع، ثم يستحم ويأكل.

وينبغي الحذر من اللعب والرياضة أثناء امتلاء البطن، وقبل انهضام الطعام، فإن أفضل وقت لممارسة الرياضة عندما لا تكون المعدة ممتلئة ولاخاوية، وذلك لأن الغذاء يحتاج في انهضامه إلى السكون والنوم، والحركة لا تساعد على حسن الهضم.

وإن مراعاة الأب لهذه القضايا الصحية يعود على أولاده بالفائدة وحسن الاستمتاع باللعب والرياضة، ويحميهم من الأمراض والآلام المتنوعة التي تحصل عادة من مخالفة القواعد والآداب الصحية.