5 - حماية الولد من خطر الشذوذ الجنسي
حكى الله U في كتابه المنزل قصة قوم لوط، الذين شاعت فيهم فاحشة اللواط، فقال تعالى مخبراً عن نبيه لوط عليه السلام:{وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل:54-55]، ولما كانت هذه الفعلة من أعظم المعاصي والكبائر التي توجب غضب الرب U، كان عقاب أصحابها من أفظع العقوبات وأشنعها، فقد حكى سبحانه وتعالى كيف عاقبهم بعد أن عتوا واستكبروا فقال: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82-83]، فتنوع عقابهم بين الرمي من علو، والرجم بالحجارة، وذلك لفظاعة جرمهم، وسوء فعلتهم.
ولم تكن هذه الفاحشة معروفة لدى العرب في جاهليتهم، فقد قال الوليد بن عبدالملك رحمه الله: ((لولا أن الله U قص علينا قصة قوم لوط في القرآن ما ظننت أن ذكراً يعلو ذكراً)). ورغم هذا فقد حذر الرسول r من هذه الفاحشة، وكأنه أُلهم وقوعها في الأمة، وابتلاء البعض بها حيث قال: ((إن أخوف ما أخاف على أمتى عمل قوم لوط))، وقال أيضاً مبيناً أن هذه الفاحشة إذا اجتمعت ببعض الجرائم الأخرى أوجبت الدمار للأمة والهلاك: ((إذا استحلت أمتي ستاً فعليهم الدمار: إذا ظهر فيهم التلاعن، وشربوا الخمور، ولبسوا الحرير، واتخذوا القيان، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء)). أي استغنى كل جنس بنوعه، فالذكر يقضي وطره مع الذكر، وكذلك الإنثى. وقال في حد اللوطي وعقابه: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)). وقد كان بعض السلف رضوان الله عليهم يرى في عقاب اللوطي أن يُرمى من بناء مرتفع، ثم يُرجم بالحجارة حتى الموت، دون النظر إلى كونه محصناً أو غيرمحصن. وقد نُقل عن أربعة من الخلفاء إحراق من تلبس بهذه الجريمة وهم: أبوبكرالصديق، وعلي بن أبي طالب، وعبدالله بن الزبير، وهشام بن عبدالملك.
وقتل المفعول به الراضي بالوطء أفضل من استبقائه مع الجلد أو التعزير، وذلك لأن هذه الفعلة القبيحة تفسده فساداً كبيراً، فتزيل معاني الرجولة من نفسه، ويكون مصيدة للمنحرفين الشاذين يقضون منه وطرهم، فينافس بذلك النساء، يقول ابن كثير رحمه الله واصفاً أضرار اللواط: "إن في اللواط من المفاسد ما يفوت الحصر والتعداد ولهذا تنوعت عقوبات فاعليه، ولأن يُقتل المفعول به خير من أن يؤتى في دبره، فإنه يفسد فساداً لا يرجى له بعده صلاح أبداً، إلا أن يشاء الله، ويذهب خبر المفعول به. فعلى الرجل حفظ ولده في حال صغره وبعد بلوغه، وأن يجنبه مخالطة هؤلاء الملاعين، الذين لعنهم رسول الله r".
ولا تقتصر مضار هذه الفاحشة على الجانب النفسي فحسب، بل لها مضار جسمية كثيرة أقلها الابتلاء بمرض نقص المناعة "الإيدز"، ذلك المرض الفتاك الذي لم يجد له العالم دواء ناجحاً رغم السعي الحثيث، والمحاولات الكثيرة، والدعم المالي المستمر.
ومشكلة اللواط اليوم لا تقتصر على وجود أشخاص شاذين في أنحاء متفرقة من العالم، بل قد أصبح لهؤلاء المنحرفين جمعيات رسمية تحميهم، وتنظم عملهم القبيح، ولا يقتصر نشاط هذه الجمعيات على البالغين فقط، بل أصبح إتيان الصبيان الصغار في أمريكا أمراً معروفاً، له جمعيات خاصة. كما أن استخدام هؤلاء الصبيان في الجنس، وتصويرهم في مواقف جنسية شاذة للتجارة بصورهم أصبح أيضاً أمراً منظماً، ففي نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية يُستغل أكثرمن عشرين ألف طفل في أغراض جنسية بواسطة شركات الدعارة المنظمة، وهذا فقط خلال النصف الأخير من عام 1977م. وبعض التقديرات والإحصاءات المعتدلة تشيرإلى أن 10% من الأطفال في أمريكا يتعرضون للاعتداء الجنسي في كل عام، وفي بريطانيا التي أباحت قوانينها اللواط يوجد ما يقارب من ستين ألف غلام يمارسون هذه الفاحشة من أجل كسب المال، وفي ألمانيا أُبيحت هذه الفاحشة أيضاً ولكن بشرط رضا الطرفين، وفي حالة صغر المفعول به يكون الرضا بيد وليه.
إن القضية إذا انحصرت في البالغين الذين اختاروا لأنفسهم هذا النهج المنحرف: تكون قضية اختيار منهم عن طواعية ورضا، أما أن تصل إلى غير المكلفين من الأطفال الأبرياء، فيتشربوا هذه الفاحشة منذ نعومة أظفارهم فإن المسألة تكون خطيرة للغاية. فما هو البناء النفسي الذي سوف يكون عليه هؤلاء الأطفال إذا كبروا ؟ وهل سوف يفوقون أساتذتهم في هذا المجال المنحرف لعمق خبرتهم، وطول باعهم ؟ وكيف سوف يواجه العالم هذه المشكلة في المستقبل ؟
إن إيراد مثل هذه الإحصائيات عن المجتمع الغربي لا يعني أن المشكلة لا تخص المجتمع المسلم، فإن العالم اليوم يُعد قرية واحدة لعمق الصلات، والمصالح المشتركة، وسهولة المواصلات والاتصالات بأنواعها، واختلاط المسلمين بغيرهم في البلاد الإسلامية، وغيرالإسلامية، مما يُنذر باحتمال انتشار مثل هذه الجرائم الشنيعة بين أوساط المسلمين.
ولا يعني عدم نشر إحصاءات عن أوضاع الشذوذ الجنسي في المنطقة الإسلامية خلوها من هذه الفاحشة الممقوتة، فإن حالات الشذوذ الجنسي توجد في كل مجتمع مع فروق في النسبة؛ بل وحتى المجتمع المسلم في القديم قد ابتلي بعض أفراده بالميل إلى المردان، ومجالستهم، وربما قام بعض المنحرفين منهم بعمل الفعلة القبيحة. لهذا كان بعض علماء السلف رحمهم الله يحذرون من مجالسة الأمرد، وينهون عن حضوره إلى حلقهم خشية الفتنة به، وقد نص ابن قدامة في المغني على أن ((الأمرد إن كان جميلاً يخاف الفتنة بالنظر إليه لم يجز تعمد النظر إليه)).
والأمرد الشاب الذي لم تنبت لحيته بعد، حيت يتراوح عمره ما بين العاشرة والخامسة عشرة. وفي هذه السن خاصة يحرص الأب على حماية ولده من الشاذين، ويحذر إهمال ذلك، فقد اعترف أحد الشاذين العرب، وباح بسبب انحرافه وشذوذه، حيث كان أبواه يهملانه بانشغالهما خارج البيت، وهو في سن الطفولة، مما أدى إلى وقوعه ضحية لأحد رفقاء السوء، حيث كان يجهل الخطأ والصواب.
ولا بد للأب أن يحذر أيضاً كل من لا يخاف الله من الفساق، حتى وإن كان بعضهم من الأقرباء، أو الجيران، أو الأساتذة، فإن الإحصاءات في أمريكا تشير إلى أن أكثر الاعتداءات الجنسية على الأطفال تقع مع أفراد يعرفونهم مثل أستاذ المدرسة، أو طبيب العائلة، أو مستشار المخيم، فلا يترك الأب مجالاً لخلوة الولد بأحد هؤلاء مهما كانت الظروف.
وربما يحدث الاعتداء الجنسي على الولد من قبل طفل أكبر منه سناً، فإن بعض الأطفال ينضجون جنسياً في مرحلة مبكرة، كما أنه بالإمكان قيام علاقات جنسية بين الأولاد قبل البلوغ. لهذا فإن اختيار الأب لأصدقاء الولد ممن هم في سنه، أو أصغر سناً يعد اختياراً حسناً مأموناً، فلا يتركه يصاحب الكبار من الصبيان إلا أن يضمن، ويتأكد من استقامتهم، وحسن تربيتهم.
ويتنبه الأب للتقليل من خلوة الولد قبل سن البلوغ بغيره من الصبيان، ويعمل على أن يكون عددهم ثلاثة أو يزيدون، وذلك للتقليل من احتمال غواية الشيطان لهم، فالشيطان أقرب للإثنين منه إلى الثلاثة.
ومن أعظم أسباب انتشار هذه الفاحشة، وجرأة أهلها: الميوعة، والتخنث الذي ابتلي به بعض الصبيان، فمن مظاهرهذا التميع والانحلال: إطالة الولد لشعره تشبهاً بالنساء، ولبس "البنطلون" الضيق الواصف للبدن، أو لبس بعض الملابس الخاصة بالشاذين، وجرالذيول، والتكسر في المشية، والخضوع في الكلام، والتردد على الأماكن المشبوهة.
فإذا ظهر على الولد شيء من هذه المظاهر المنحرفة، وجب على الأب الحذر من احتمال انحراف ولده، حتى وإن كان الولد يجهل قبح هذه القضايا. فإن المنحرفين ينتظرون رؤية شيء من هذه المظاهر لينقضوا على فريستهم بشتى الوسائل والحيل الماكرة.
ولا بد للأب من تربية ولده الصغير على الرجولة والخشونة، خاصة إن كان الولد جميل المطلع، أبيض اللون، ممتلئ الجسم، فيعوده الخشونة في المأكل والملبس، ويعوده الرياضة القوية، التي تبني جسمه وتخشن جلده، ولا بأس أن يعوده حلاقة رأسه إن كان شعره سبب جماله، اقتداء بعمر بن الخطاب رضي الله عنه في التعامل مع الرجل الجميل الذي افتتن به النساء. ويعوده لبس الملابس والثياب الفضفاضة، وتغطية رأسه تشبهاً بالكبار البالغين، ويحذره من إسبال الثوب مثل النساء، ولبس الذهب والحرير، فهو من علامات التخنث والميوعة، إلى جانب أن ذلك من المحرمات على الرجال.
وإن كان الأب من أهل الجاه والغنى فإن واجبه في حفظ ولده آكد لأن أولاد الأغنياء في العادة مرفهون، ويظهر عليهم أثر النعمة، من نعومة البدن، وصفاء اللون، وطيب الرائحة، وحسن ارتداء الثياب، فيكونون بذلك أرغب وأدعى لوقوعهم تحت أيدي المنحرفين. لهذا فقد كان بعض العلماء يحذر من مجالسة أبناء الأسرالمترفة. يقول الحسن بن ذكوان: ((لا تجالسوا أبناء الأغنياء فإن لهم صوراً كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى)).
كما أن احتمال وقوع الولد فريسة لأحد المنحرفين في الأسر الغنية أكبرمنه في الأسر المتوسطة الحال أوالفقيرة، وذلك لأن الأسر الغنية في العادة يشاركها في المسكن خدم وعمال وأفراد من غيرالأسرة يقومون على خدمتها، ورعاية شؤونها، وعادة ينتمي هؤلاء الخدم إلى جنسيات مختلفة، وثقافات متنوعة، ويظهر فيهم الجهل، وقلة الدين، فنادراً ما يكون من بينهم الصالح المستقيم، إلى جانب أن أكثرهم من العزاب، أو المغتربين عن أهليهم. وأعظم من هذا أنهم مؤتمنون على الأولاد، بل ربما كانوا مؤتمنين حتى على النساء والبنات، فلا يجد الأب غضاضة عندما يجد ولده جالساً يتحدث في غرفة الخادم، ولا يأبه إذا خلا البيت للخدم والأولاد، ولا شك أن مثل هذا الإهمال والتقصير من الأب يعد مدعاة لوقوع الفاحشة بالولد على حين غفلة من الأب، وربما استمر وقوع الفاحشة بالولد إلى فترة طويلة تحت طائلة الترغيب والترهيب، أو الإقناع، أو بأي وسيلة ماكرة خبيثة، خاصة وأن الولد الذي لم يُعْن والده بتربيته يقل فهمه للأمور, فلا يدرك الصواب من الخطأ، فيقع فريسة لأحد المنحرفين بسبب إهمال والديه، وجهله بمبادئ الخطأ والصواب.
ويحذر الأب من اصطحاب أولاده إلى بلاد الكفار، والتي تقدم ذكر مظاهر الانحرافات الجنسية فيها. فإن اضطر إلى السفر سافر هو دونهم، وعهد بهم لأحد الأقارب المؤتمنين، فإن وجود الولد في جو منحرف ربما ساقه إلى الانحراف، أو وقوعه تحت يد أحد الشاذين فيعبث به. فإذا اضطر للسفر بالأولاد فعليه أن يحذر كل الحذر من إدخاله إحدى المدارس التعليمية هناك التي لا تأبه بهذه الانحرافات, فإنها منبع كل الانحرافات بشتى أنواعها, إلى جانب خطورة ما يتعلمه الأولاد من الكفر والزيغ عن عقيدة التوحيد. ومن عجيب انحرافات بعض هذه المدارس أن تجرأ أحد مجالس شمال لندن أن أضاف إلى المقررات الدراسية تدريس مناهج عن الشذوذ الجنسي، على أن تقدم للطلاب كأسلوب جديد للحياة. فهؤلاء الكفار لا حدّ لضلالهم وانحرافهم، فلا يجوز لأب مسلم يؤمن بالله واليوم الآخرأن يغامر بولده فيُلحقه بإحدى هذه المدارس الضالة المنحرفة.
وينبغي للأب عند سفره الاضطراري إلى بلاد الكفار أن يختارمن بين تلك البلاد أقلها انحرافاً، وأقربها إلى الفضيلة، وإن كان ولا بد من إلحاق الأولاد بمدرسة فإنه يجب عليه أن يبحث عن المدارس الإسلامية، التي تشرف عليها الجاليات المسلمة في أوروبا وأمريكا أو غيرها، ويقتصر على هذه المدارس دون غيرها، حتى وإن اضطر الأمر إلى أن يتأخر دخول الولد للمدرسة بعض الشيء، فإن المحافظة على عقيدة الولد، وشرفه أغلى من تعلمه كثيراً من العلوم المشبوهة في مدارس النصارى.
ولا بأس أن يصارح الأب ولده الكبير بهذه الحقيقة إن احتاج إلى ذلك، خاصة إن كان يعيش في بلد انتشرت فيه هذه الفاحشة، فيحذره من الذهاب مع الغريب، أو أخذ الحلوى منه، أوالركوب معه في سيارته ليدله على بيت من بيوت الحي أو نحو ذلك، ولا داعي أن يبين الأب لولده كل تفصيلات هذه الجريمة، بل يكفيه أن يبين أن هؤلاء المنحرفين يمكن أن يضروه ضرراً بالغاً، ويذهبوا به إلى غير رجعة. وهذا البيان والتلميح عادة يكون مع الولد القليل الذكاء الساذج التفكير. أما الولد الذكي فإنه يدرك هذه القضايا من خلال احتكاكه بالمجتمع، فإن هذه الأمور لا تخفى عليه عادة.
ويمكن للأب تعريف أولاده بهذه الفاحشة، وتحذيرهم منها عن طريق عرض قصة سيدنا لوط عليه السلام مع قومه، فيبين ويشرح القصة كما جاء بها القرآن الكريم، ثم يعلق عليها مشيراً إلى أن هذه الفاحشة موجودة في كل مجتمع حتى المجتمعات المسلمة، ويوضح أنه لا بد من الحذر، والمحافظة على النفس والعرض من هؤلاء المنحرفين، ومن أساليبهم المختلفة التي يجتذبون بها الأولاد.
ولا بد للأب أن يسد حاجات أولاده ورغباتهم المختلفة، فلا يترك مجالاً لأحد ليستغل حاجتهم إلى المال، أو إلى لعبة، أو نزهة، أو غير ذلك، ومن وقت لآخر يحاول أن يتعرف على رغباتهم ومتطلباتهم. ويقوي صلته بهم حتى لا يخفون عنه شيئاً مما يرغبون فيه، وهولا يحرمهم من المباحات، حتى وإن كانت لا تناسب أعمارهم كقيادة السيارة، أو الدراجة النارية، وذلك لأنها من أعظم وسائل المنحرفين لجذب الأولاد. والولد الكبير شغوف بذلك، فلا بأس أن يشبع رغبة ولده في هذا المجال تحت إشرافه المباشر تحسباً للسلبيات التي يمكن أن تحدث.