2 - أدب الاستئذان في التربية الجنسية للطفل
تعم الثورة الجنسية كل مكان، فلا يكاد مكان على وجه الأرض يخلو من هذه الإثارة المنحرفة، وقد تقدم وصف مظاهر هذه الثورة العارمة. ولما كان سلطان الآباء المصلحين في الأرض ضعيفاً، فلا حول لهم ولا قوة يحمون بها أبناءهم خارج البيوت من آثار هذه المظاهر الجنسية المنحرفة، سوى ما يبثونه فيهم من المعاني الصالحة الطيبة، والتقليل من اختلاطهم بالمجتمع المتسيِّب. فإن واجبهم في حماية أولادهم داخل البيوت من هذه الثورة الجنسية ومظاهرها المنحرفة فرض لا يُعذرون بتركه، أو إهماله.
ومن الأسباب التي يتخذها الأب لحماية الأولاد داخل البيت: تعليمهم آداب الاستئذان، التي تحميهم من احتمال وقوع أعينهم على ما يثيرهم جنسياً، كما تحميهم من أن تُشغل عقولهم بقضايا متعلقة بالجنس لا يجدون لها تفسيراً، لضعف عقولهم، وقلة خبرتهم بهذه الشؤون.
ونظراً لأهمية هذا الأدب الإسلامي، فقد ورد ذكر الاستئذان وآدابه في القرآن الكريم، حيث حدد الله U أوقات الاستئذان، والأوقات التي لا يُشرع فيها استئذان، فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:58]، وهذا الأدب يخص الخدم المملوكين، والأطفال دون سن التكليف أي قبل البلوغ. فهم مأمورون بالاستئذان قبل الدخول على أهل البيت من الأم، أو الأب، أوالأخوات، أو غيرهم. قال جابر رضي الله عنه: ((يستأذن الرجل على ولده، وأمه وإن كانت عجوزاً وأخيه وأخته وأبيه)). وهذا الاستئذان يكون في الأوقات المتوقع انكشاف العورات فيها، والتخفف من الملابس، وهي: ((حين الاستيقاظ من النوم، وحين إرادة النوم، وحين القائلة)) وفي غيرهذه الأوقات يحل للطفل المميز الدخول على أهل البيت دون استئذان، ولكن يستحب له إلقاء السلام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لأنس بن مالك: ((يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك)). فمن بركات هذا السلام: مزيد من الحيطة، وإشعار لأهل البيت بالقدوم.
ويمكن تحديد سن الاستئذان للولد بسبع سنين، حين يدرك الطفل في هذه السن بعض القضايا المتعلقة بالجنس، فيُبدأ معه في هذا السن بالتربية الجنسية.
ويرى بعض العلماء أن فتح الباب، ورفع الستر، وتخصيص غرف لكل نوع من أنواع الأسرة يكفي عن الاستئذان، فرفع الستر، وفتح الباب يعد إذناً بالدخول لمن شاء.
وبناء على ذلك فإن الأب، وكل من يخشى انكشاف عورته من أفراد الأسرة يؤمر بإغلاق باب غرفته بالمفتاح، أو المزلاج ليكون ذلك إعلاماً للأولاد بعدم الدخول، كما أن الطفل الغافل، أو الذي لم يتدرب بعد على أدب الاستئذان لا يمكنه بحال أن يقتحم غرفة قد أوصد بابها، فإن حدث وغفل الأب عن إغلاق الباب ودخل الولد الغرفة بغير استئذان، وشاهد منظراً جنسياً، فإن ذلك يسبب له إزعاجاً نفسياً كبيراً، لهذا وجب أخذ الاحتياطات اللازمة لمثل هذه الحالات. ويُدرب الولد على طرق الباب دائماً كلما دخل من باب مغلق، فإن لم يفعل مرة: أُمر بالعودة والطرق من جديد ليتعلم ويتعود.
ولا ينبغي ولا يجوز الالتفات إلى قول من يرى بأفضلية إتاحة الفرصة للولد ليرى والديه بغير ملابس في بعض الأحيان. فإن هذا من الضلال، إلى جانب مخالفته الواضحة لمقاصد الشريعة الإسلامية من تشريع أحكام الاستئذان، والتي لم تشرع إلا لحماية نظر الولد من وقوعه على عورة والديه، أو أهل بيته من المحارم، وغيرهم.