4 - تعامل الطفل مع الحيوانات المؤذية
جاء في السنة المطهرة الأمر بقتل بعض الحيوانات والحشرات، كما جاء النهي أيضاً عن قتل أنواع معينة من الدواب، والأب المسلم يتقيد بهذه التوجيهات ويعلمها أولاده، ويطبق ذلك عمليا معهم.
فقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام الأمر بقتل الوزغ ورتب على ذلك الأجر، كما جاء عنه الأمر بقتل الفواسق الخمس، فقال عليه الصلاة والسلام: ((خمس فواسق يقتلن في الحرم الفأرة والعقرب والحديَّا والغراب والكلب العقور)).
إن تقيد الأب بالسنة والأخذ بهذه التوجيهات المستحبة، وتدريب الأولاد على ذلك فيه إن شاء الله فوائد كبيرة تعود على الأب والأولاد، إلى جانب الأجر المترتب على اتباع السنة، كما أن ظهور الأب بكامل الشجاعة عند رؤية وزغة مثلا، أو حشرة من الجائز قتلها، ومسارعته لقتلها يعود الطفل على عدم الخوف من هذه الدواب، كما أن ما ورد في السنة المطهرة ليس لمجرد المعرفة فحسب، بل هو للتطبيق العملي الواقعي، فيقع في نفس الولد تعميم ذلك على كل ما ورد عن الله ورسوله من توجيهات في جميع شؤون حياة الإنسان، فيؤمن بوجوب التطبيق والاتباع.
وليس من الحكمة في شيء أن يظهرالأب خائفا أمام الأولاد عند رؤية الفأرة مثلا، أو الوزغة على الجدار، فإن هذا السلوك الذي لايليق برجل كبير قدوة لأولاده، يعد سلوكا خاطئا، إذ إن الأب لن يستطيع أن يطبق سنة المسارعة في قتل هذه الدواب، واكتساب الأجر، كما أن الأولاد - بلا شك - سوف يقتدون به، فيخافون هذه الدواب، فيضرهم الأب بسلوكه الخاطئ، ويجرهم إلى تبني مخاوفه الخاصة.
والذي ينبغي للأب اتخاذه إن كان قد ابتلي بالجزع من هذه الدواب - كما هو الحال مع كثير من الناس - أن يحرص كل الحرص على عدم نقل هذا الخوف والجزع إلى أولاده عن طريق المحاكاة والمشاهدة، بل يحاول أن لا يظهر عليه الارتباك أو الخوف، ويتشاغل عن الأولاد بأي شيء، ويأمر من يراه من أهل البيت، أو الولد الكبير بقتل هذه الدابة بالتعاون مع بعض الأولاد، فيكون بذلك قد خرج من المأزق دون أن ينقل للأولاد بطريق غير مباشر مخاوفه وجزعه، وفي نفس الوقت يكون قد شجع الأولاد على المبادرة بتطبيق السنة، والشجاعة في ذلك.
ويعلم الأب أولاده أدب القتل فلا يؤذون هذه الدواب عند قتلها كأن يحرقوها بالنار، أو يحبسوها حتى تموت جوعا وعطشا، أو يقتلوها بالتدريج ويقطعوها، ولكن يعلمهم السنة في قتلها مباشرة دون تعذيب.
وليس كل دابة أو حشرة تقتل، بل قد جاء النهي عن قتل بعض الدواب والحشرات، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: ((نهى رسول الله r عن قتل أربعة: الهدهد والصرد والنملة والنحلة))، كما ورد عنه r النهي عن قتل الضفدع، والحيات التي في البيوت حتى تؤذن ثلاثة أيام.
فلا يترك الأب أولاده يندفعون متسلطين على كل دابة أو حشرة يصادفونها فيقتلونها، بل يؤدبهم بأدب السنة المطهرة ويأمرهم أن يسألوه عن الدواب التي تقتل والتي لاتقتل قبل أن يقدموا على إيذاء بعضها بغير حق، فيتعلم الأولاد أن الإسلام يحكم جميع شؤون حياتهم، ويحدد لهم علاقاتهم حتى بالدواب والحشرات، فيخرج الكبار منهم بدرس عميق، كأن يقول أحدهم في نفسه: ((إذا كان الإسلام وحكم الله ورسوله يصل إلى تنظيم حياة الإنسان وعلاقته حتى بالدواب، أفلا ينظم الإسلام حياة الإنسان وعلاقاته في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة وسائر الشؤون الأخرى ؟)).
إن هذا الدرس عظيم، والأمة في حاجة ماسة إلى إعادته في أذهان أكثر المسلمين، إذ إن البعض لايزال يعتقد أنه لا شأن للإسلام بعلاقات الدول أو الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع أو الثقافة، بل يظن أن الإسلام لا يطبق إلا في الأحوال الشخصية والأسرة، ولكن عندما يشاهد الطفل بتوجيه من أبيه أن الدين يحكم كل نشاطات الإنسان المختلفة بما فيها هذه الدقائق المهملة في أعين أكثر الناس من تحديد علاقة الإنسان بالدواب والحشرات، فإن الطفل يتعلم أن الدين شامل كامل، ليس هناك قضية إلا ولله ورسوله حكم فيها، والمسلم مطالب بها ومحاسب عليها، فينشأ على هذه المفاهيم الجيل الإسلامي المنشود، الذي تتغير به الموازين الحديثة، وتتحسن به أوضاع الشعوب الإسلامية المنكوبة.