14ـ تنفير الطفل من التشبه بالكفار

14 - تنفير الطفل من التشبه بالكفار

من المعروف والمسلم به أن الأمم المغلوبة على أمرها، والمهزومة في بلادها والمنكسرة في نفسها، تتشبه بالأمم المسيطرة وتقتدي بها، ويقرر هذه القضية ابن خلدون رحمه الله إذ يقول: "ترى المغلوب يتشبه أبدا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه وفي اتخاذها وأشكالها، بل وفي سائر أحواله".

وسبب ذلك يعود إلى عدم وجود ذلك الاستعلاء الإيماني الذي يعد أفضل عزاء للمسلم رغم انهزامه وسيطرة الكفار على بلاده، حيث يحجزه هذا الإيمان ويعصمه من مسايرة الكفار، أو التشبه بهم، أو اتخاذهم قدوة ونبراساً.

  وقد تواتر عن رسول الله r وجوب مخالفة المشركين من اليهود، والنصارى، والمجوس، وكل من هو على غير دين الإسلام في جميع الشؤون، تمييزا للفئة المسلمة، وحفاظا عليها من التميع، وإظهارا لشعار الإسلام.

ورغم ورود النصوص الواضحة في وجوب مخالفة المشركين وجد من بين المسلمين - إن لم يكن الأكثر - من يتشبه بالنصارى في أعيادهم ويحتفل هو وأولاده وأهل بيته بهذه الأعياد، كعيد رأس السنة الميلادية، أو عيد النيروز الفارسي، أو الاحتفال بأعياد الميلاد، وإشعال الشموع، وشراء الكعك، وجمع الأقارب والأهل في هذه المناسبات غير الشرعية. وقد كان من شروط الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أهل الذمة أن لا يظهروا شعائرهم وأعيادهم في بلاد المسلمين بل يخفوها، فكيف بمن فعلها من المسلمين، واحتفل بها، وأقامها ؟  فإن هذا بلا شك أعظم جرما وأكبر حرمة، بل ولا يجوز حتى إجابة الدعوة إليها وحضورها فضلا عن إقامتها والانشراح بذلك وإظهارالسروروالسعادة.

والأب المسلم يواجه في هذا الجانب، خاصة في أعياد الميلاد التي يحتفل بها بعض الأسر المسلمة، والتي يبتهج بها الأطفال لسذاجتهم وضعف إدراكهم، يواجه الأب في ذلك ضغطا اجتماعيا كبيرا، إذ يطالبه أولاده بأن يقيم لهم عيد ميلاد عند بلوغ أحدهم سن الخامسة، أو السابعة أو نحو ذلك، فيعيش الأب نوعا من الصراع بين الاستجابة للأولاد وإدخال السرور عليهم، وبين شعوره بتأنيب الضمير وعلمه بأن هذا مخالف لمفاهيم الدين الإسلامي، وتشبه بالكفار.

والذي ينبغي للأب عمله هو أن يلتزم دينه وعقيدته ولا يبالي بالمخالفين وكثرة الهالكين، ويسعى جاهدا في إقناع أولاده بأن هذا مخالف للدين، وأن الله لا يحب ذلك. ويبدأ في استئصال هذه القضية من جذورها عن طريق إغفال وقت ولادة الطفل، وعدم الاهتمام بهذا الموعد وإعطائه هالة من الجلال والاهتمام، وإذا أحس الأب من ولده اهتماماً بموعد ميلاده، أشغله في ذلك الموعد بقضايا جانبية سارة حتى يمر ذلك اليوم والولد غافل عنه ناس له.

ومن أعظم الوسائل في كف الولد عن الاهتمام بهذا العيد المزعوم: عدم السماح له بحضور أعياد الميلاد التي تقيمها الأسر عالمة أو جاهلة بحكمها، وبهذا لايرى الطفل هذه الأعياد، وابتهاج الأطفال فيها، وحصولهم على الهدايا والألعاب المرغبة في إقامتها.

ولا يعني هذا أن يعيش الأب مع أولاده حالة من الرتابة دون تغيير أو تجديد، بل يسعى جاهدا في إدخال السرور على أولاده، وتعويضهم هذا الأنس في الأعياد المشروعة كعيد الأضحى، وعيد الفطر، وفي المناسبات الشرعية مثل عقود النكاح والزواجات وحفلات العقائق وغيرها، ولا يكتفي بذلك بل يقيم لهم حفلات في غير هذه المناسبات أيضا دون تقييدها بزمن معين، ودون أن يكون لها أصل يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، كأن يقيم حفلا بمناسبة حفظ الولد للقرآن الكريم، أو لبعض أجزائه، أو لإتمامه حفظ "الأربعين النووية أو يقيم له حفلاً بمناسبة ابتداء قيامه بالتزام الصلاة في المسجد، أو يقيم الحفل لغير مناسبة مطلقا، كأن يطلب منه دعوة بعض زملائه وأقربائه من الأطفال لتناول طعام الغداء، أو العشاء، أو نحو ذلك، فيكون الأب بهذه الوسائل المتنوعة قد كفى ولده الاحتفالات المخالفة للشرع بالاحتفالات المباحة، أو المستحبة، ويحاول في هذه الاحتفالات أن يدخل عليهم المحبة والسرور، فيوسع عليهم في المأكل والمشرب، ويجلب لهم ما يشتهونه من أنواع الأطعمة والحلوى، مع مراعاة الاعتدال في الإنفاق، وتجنب التبذير والإسراف.

ولا يقتصر التشبه بالكفار على قضية الأعياد والاحتفالات بل يدخل في قضية الملبس والهيئة أيضا، إذ إن ماهو خاص بهم من الملابس لايجوز ارتداؤه. كلبس القسس، أو الرهبان، كما لا يجوز لبس ماهو علامة لهم ودليل عليهم أو على بعض مشاهيرهم، كلبس القميص، أو ما يسمى "البنطلون" بطريقة معينة وتفصيل معين، بحيث يعرف الرائي أن هذا اللبس للمغني الفلاني أو الراقص الفلاني، فهذا النوع لا يجوز لما فيه من التشبه والتقليد.

أما لبس "البنطلون" والقميص بالصورة المعتادة، مع مراعاة الشروط العامة لستر العورة فلا بأس به إن شاء الله، خاصة وأنه لم يعد من خصوصيات الكفار، ولا هو علامة لهم لشيوع لبسه بين المسلمين، فليس في لبسه تشبه بهم إذا روعيت الشروط العامة للباس.

كما أنه لا يجوز أيضا تقليدهم في طريقة تصفيف الشعر وقصه، فقد ابتلي بعض شباب المسلمين وافتتنوا ببعض الساقطين من المغنين الغربيين وقلدوهم في قص الشعور واللبس، وهذا لا شك في حرمته وعدم جوازه.

وهذا الميل إلى التقليد الأعمى لهؤلاء المنحرفين من شباب أوروبا وأمريكا، وغيرهم ما كان ليحدث ويصدر من شباب المسلمين الذين افترض فيهم أن يؤثروا في غيرهم لا أن يتأثروا بغيرهم، ولكن لما نضبت منابع التربية الإسلامية الصحيحة، ولم يعد هناك توجيه إسلامي واضح المعالم، إلى جانب فقدان القدوة الصالحة في أكثر الآباء، والمعلمين، أصبح الشباب الإسلامي بلا هوية، ولا كيان، تتقاذفهم الأهواء، والتصورات المنحرفة، ولم تعد لديهم تلك المناعة ضد هذا الداء الفتاك، وهذا ما ينبغي أن يتنبه إليه الأب المسلم، فيجعل لدى أولاده المناعة ضد ما يلقى إليهم من أفكار، وتصورات، وعادات، وتقاليد، وذلك لا يحصل إلا بربط الولد بالقدوة الصالحة في سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وصحبه الكرام من السلف الصالح، وأن يكون الأب هو أيضا قدوة له في ذلك، إلى جانب إيجاد الصحب والرفاق من الصالحين، فينخرط معهم ويعايشهم مستعلين جميعا بإيمانهم، لا يأبهون بالمخالفين لهم، مع حمايتهم من منابع هذه التصورات والأعمال القبيحة، ومن مصادرها الخبيثة، وهذا يحتاج إلى جهد وتربية واستعانة بالله عز وجل الذي يقول في كتابه العزيز: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

ويدخل في موضوع التشبه بالكفار قضية استعمال اللغة الأجنبية غير العربية والتندر بها، والافتخار بالقدرة على التحدث بها، واستعمالها في غير حاجة، فهذا لا ينبغي لأن اللغة تعد أعظم شعائر الأمم التي يتميزون بها عن غيرهم، واللغة العربية هي شعار المسلمين الذي لا ينبغي العدول عنه والنطق بغيرها.

أما تعلم لغة الأعاجم - أيا كانوا - للحاجة خاصة في هذا العصر، وشدة حاجة الناس للغة الإنجليزية خاصة فلا بأس به للاستفادة من العلوم المختلفة، إلى جانب كشف خطط الأعداء ومعرفة مكائدهم من خلال ما يكتبونه ويبثونه بلغاتهم المختلفة، فهذا التعلم جائز للحاجة. فلا بأس على الأب من السماح لابنه أن يتعلم لغة أجنبية ويتقنها لوجود هذه الملابسات الشرعية في هذا العصر، بشرط أن يكون قد أتقن لغته العربية، وتمكن منها وأجادها، وغالباً ما يكون هذا بعد المرحلة الابتدائية.