6ـ أضرار الطلاق على الأطفال وسبل التخفيف منه

6 - أضرار الطلاق على الأطفال وسبل التخفيف منه

يتأثر الوالدان بالانفصال، حيث يخسر كل واحد منهما المميزات الطيبة التي كان يتمتع بها مع رفيقه. كما أنهما يستريحان من سوء تصرف أحدهما مع الآخر، ولكن الأطفال في العادة يخسرون أكثر من الآباء، إذ إن وجودهم بين الأب والأم له أهميته البالغة، والعميقة في نفوسهم، إذ لا يمكن أن ينشأ الولد نشأة معتدلة سوية بدون الأب والأم معاً. فلو فقد الابن أباه في سن السادسة، أو السابعة مثلاً، أثر ذلك عليه تأثيراً سيئاً، وربما ساقه هذا الحرمان إلى مصه أصابعه، وكثرة المشاغبات، والتبول اللاإرادي.

"وتدل الإحصاءات على أن تفكك الأسر- وبخاصة ما كان راجعاً إلى الطلاق - من أهم العوامل التي تؤدي إلى جنوح الأحداث، وهو مظهر متطرف من مظاهر سوء التكيف الاجتماعي… وقد ترسم في ذهن الطفل الذي ينشأ في هذا البيت صورة قبيحة مشوهة عن حياة الأسرة وعن الدور الذي يلعبه كل من الرجل والمرأة في المجتمع، كما أن الطلاق نفسه قد يشعر الطفل بشيء من الخزي والنقص، فهو يحس أنه غريب في مجتمع أغلب أسره متماسكة حيث يعيش معظم الأولاد والبنات مع آبائهم وأمهاتهم".

فقرار الطلاق والانفصال لا يتخذه الأب إلا إذا تيقن أنه أنفع لجميع أفراد الأسرة -خاصة الأطفال- من البقاء معاً في بيت واحد، وأن الآثار الناجمة عن الانفصال أقل ضرراً على الأولاد من الحياة المشتركة في جو متوتر مليء بالمشاغبات والتنازع.

فإذا ما كان قرار الانفصال هو الراجح فإن على الأب أن يخفف وطأته على نفوس الأولاد، ويكون ذلك بمصارحة الكبار منهم، وإقناعهم بأنه أفضل حل للأسرة، إذ لا يمكن أن تستمر الحياة مع طول الخصام، ويحاول الأب  أن يبين لهم مشروعية الطلاق في الإسلام، وأنه جائز، وينقل لهم بعض قصص الصحابة في ذلك وغيرهم ممن لم يقدر لهم التوفيق في حياتهم الأسرية مع بعض النساء.

ويبين لهم النظام الذي سوف يعيشون عليه بعد الانفصال، وكيف سوف يجتمعون به في أوقات معلومة، وبالأم في أوقات معلومة أخرى، ويؤكد لهم حبه، وعطفه عليهم وأنه لن يستغنى عنهم، أو يزهد فيهم، أو يتخلى عنهم.

وبهذا الأسلوب أو نحوه يمكن للأب أن يخفف أثر الطلاق على أولاده فلا يخرجون بخبرة سيئة فتتعقد نفوسهم، وتسود الدنيا في أعينهم.

ويحذر الأب من استنقاص الأم عند الأولاد، ووصفها بأوصاف غير لائقة - حتى ولو كانت أهلاً لهذه الأوصاف- فإنها لا تزال أمهم، ومهما بدر منها مع الأب فإنه لا دخل للأولاد فيه، بل إن شأنهم شأن آخر، كما أنه ليس للأب ولا للأم مصلحة في إفساد علاقة الأولاد بالطرف الآخر، إذ أن هذا السلوك الخاطئ يضر الأولاد أكثر من الضرر بالأبوين لمكانتهما عندهم، ولحاجتهم إليهما جميعاً، بل لا يضرهما أن يثني كل واحد منهما على الآخر بما فيه وبما ليس فيه أمام الأولاد، ليعمق علاقتهم به، فتخف بذلك آثار الطلاق والفراق عليهم.

ويحذر الأب كل الحذر من أن يجره حنقه وحقده على المرأة أن ينتقم منها بإيذاء الأولاد، كأن يحرمها من رؤيتهم، والاختلاط بهم، فإن هذا من الحرام إلى جانب ما فيه من المضرة بالأولاد، يقول عليه الصلاة والسلام في حق من فرق بين الولد وأمه من السبي: "من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة"، فإذا كان هذا في حق السبي من الأطفال والنساء الكفار، فما بالك بالحرائر المؤمنات؟ لا شك أن القضية في ذلك أكبر وأعظم جرماً.

وإذا كان صغيراً غير مميز فإن أمه أحق به إذا تنازع الوالدان فيه، وذلك لأن "الأم أصلح له من الأب؛ لأن النساء أرفق بالصغير، وأخبر بتغذيته وحمله وأصبر على ذلك، فهي أقدر، وأرحم، وأصبر في هذا الموضع فعينت الأم في حق الطفل غير المميز بالشرع".

أما إن كان الولد مميزاً فإنه يخير بين أبويه، فإن اختار الأم كان عندها في الليل، أما النهار فيكون عند الأب ليعلمه ويؤدبه، أما إن اختار الأب فإنه يبقى عنده ليلاً ونهاراً ويزور أمه، ولا يمنع من ذلك، فإن عاد الولد واختار الآخر من الأبوين نقل إليه.

وبهذا التخيير يُعطى الولد الحرية الكاملة في البقاء عند أحب الأبوين إليه، مع دوام رؤيته للآخر في بعض الأوقات. ونظراً لأهمية دور الأب خاصة للولد المميز كان طول بقائه عنده أكبر من طول بقائه عند الأم؛ لأهمية دوره التربوي في هذه الفترة من عمر الولد.