25ـ واقع الغناء والموسيقى في الحياة المعاصرة

25 - واقع الغناء والموسيقى في الحياة المعاصرة

عمت المعازف بأصنافها، والغناء بأنواعه أرجاء الدنيا، فلا يكاد يخلو مكان يرتاده الناس إلا وتسمع فيه الموسيقى وأصوات المغنين والمغنيات، وقد عمت هذه البلوى بلاد المسلمين حتى أصبح الغناء المصحوب بآلات اللهو والمعازف فناً له معاهده، وأنديته، وكتابه، وأساتذته، بل وأصبح من أبناء المسلمين من يعد إماماً في هذا المجال، وغدا هذا الغناء أمراً مباحاً لدى عامة الناس، فلا يرى في تعاطيه بأس أو حرمة.

وأصبح تعليم الصبيان العزف، والرقص على الأنغام، من شعارات الأسر الراقية المتقدمة. أما الأسر المتوسطة الحال أو الفقيرة فلا يجد فيها الأب غضاضة من السماح لابنه في تكوين مكتبة سمعية تحوي أصنافاً مختلفة من أنواع الموسيقي، وغناء الرجال والنساء، بل ربما أعطى الأب ابنه النقود ليشتري بها أشرطة من هذا النوع، أو جلب له أحدث ما أنتج في هذا المجال، دون أن يلتفت الأب ما إذا كان هذا الغناء مباحاً أو محرماً، يفيد الولد أم يضره.

لهذا فإن وقوف الأب على معرفة حقيقة هذا الفن، وحكمه في الشريعة، وما يباح منه وما لا يباح يعد أمراً غاية من الأهمية، خاصة في هذا العصر حيث انتشر، وتفنن فيه المضلون باستغلال المخترعات والتقنية الحديثة في نشر وتطوير آلات اللهو والمعازف، لتكون أبلغ في الأداء، وأشد في التأثير، وأسهل في التناول والتداول.

ويصف أحد المهتمين بالتربية وضع الغناء في بلاد المسلمين وما وصل إليه من الانحراف والتدني فيقول: ((الغناء بوصفه الحالي غناء منحرف يحتاج إلى التقويم، بل هو أسلوب من أساليب الهدم والتدمير، وذلك لما فيه من الفحش والخنا، والتكسر والتخنث مما كان له أسوأ الأثر في حياة الناس الرجال والنساء، الكبار والصغار))، ثم يحيل أسباب انتشار الرذائل، وتدني الأخلاق، والفجور، إلى أنها من آثار الغناء الموجه في أصله إلى تدمير الأخلاق والقيم.

ولعل السبب وراء ذلك التوجه الخبيث في مضامين القصائد الملحنة، وطبيعة الأنغام التى يتغنى بها المطربون:هو سيطرة أعداء الإسلام على عامة المغنين، والمغنيات، وكتاب الكلمات، والملحنين، وتوجيههم بما يوافق مصالحهم في بلاد المسلمين.

وقد استغل الأعداء من اليهود والنصارى وغيرهم من وسائل الإعلام المختلفة لنشر الغناء والموسيقى على أوسع نطاق في جميع بلاد المسلمين، وركزوا نشرها وتكثيفها عن طريق الإذاعة لأنها أكثر وسائل الإعلام انتشاراً لسهولة التقاط موجاتها، ورخص جهاز الاستقبال، وطول وقت البث اليومي، والمتأمل يجد أن أكثر ما يبث في هذه الإذاعات هو الغناء، فعلى سبيل المثال، فإن غالب ما يبث من إذاعة إسرائيل المسماة: "صوت إسرائيل من أورشليم القدس" هو الغناء المنتج من الدول العربية والخليجية.

وقد اهتم هؤلاء الأعداء بمنطقة الخليج خاصة، فخصصوا لها إذاعات تبث موادها الإعلامية باللغة العربية، مستعملة في ذلك أساليب الإغراء، والجذب المختلفة لاستقطاب المستمعين من أبناء المنطقة، فسلطوا حوالي عشر محطات على موجة "إف. إم" تبث الأغاني والموسيقى الغربية لمدة ثمان عشرة ساعة يومياً، بمعدل "3840" أغنية تتضمن معاني الخنوع، والميوعة، والتحلل الأخلاقي، بالإضافة إلى الموسيقى الصاخبة.

كما أن الإذاعات في الدول الإسلامية تتعاضد مع هذه الإذاعات الأجنبية وتبث كثيراً من الأغاني والموسيقى، ولكن ليست بالدرجة التي تقوم بها الإذاعات الأجنبية التي وجدت لهذا الخصوص. ففي دراسة حول تحليل المضمون للبرامج في البرنامج العام وبرنامج صوت العرب بمصر خلال عام 1978م، فقد أسفرت النتائج أن أهم نوع من البرامج التي تروج لها الإذاعة هي الموسيقى، فيخصص البرنامج العام 16.51% من برامجه الثقافية للموسيقى، في حين تخصص لها إذاعة صوت العرب 14.3%. ونظراً لهذا الإغراء من الإذاعة في مصر فقد دلت نتائج بحث قامت به جامعة الإسكندرية عام 1980م حول الاستماع للإذاعة: أن 56% من أفراد عينة هذا البحث المختارة من الشباب المصري تستمع إلى الإذاعة والتلفزيون بصفة مستمرة، وحول الإذاعة كما يراها الشباب أجرى اتحاد الإذاعة والتلفزيون عام 1975م بحثاً كانت نتائجه أن 54.3% من العينة تفضل الاستماع لإذاعة أم كلثوم. أما إذاعة القرآن الكريم فكان نصيبها فقط 14.7%.

وهذه الدراسات تدل بوضوح على شغف كثير من أبناء المسلمين بالموسيقى والغناء، وميلهم للاستماع إليهما عن طريق الإذاعة، علماً بأن وسائل نشر الموسيقى لا تقتصر فقط على الإذاعات؛ بل هناك الأقراص المدمجة والأشرطة المسجلة السهلة التناول، والتلفزيون، والسينما، والحفلات الموسيقية الحية، فلو قدر وجمعت الإحصاءات حول معدل استماع الفرد إلى الموسيقى يومياً لكانت النسبة المتوقعة: مذهلة.