22ـ واقع البرامج التلفزيونية المقدمة للأطفال

22 - واقع البرامج التلفزيونية المقدمة للأطفال

تخصص محطات التلفزيون في الدول الإسلامية أوقاتا لبث برامج تخص الأطفال، وربما خصصت بعض المؤسسات الإسلامية محطات خاصة بهم، وذلك انطلاقاً من أن الأطفال يشكلون في المجتمع نسبة كبيرة من السكان، إلى جانب الاهتمام بتوعيتهم، ونشر الثقافة، والمعرفة بينهم.

وتتصف معظم هذه البرامج بالترفيه والتسلية، وشغل الفراغ، دون النظر إلى جانب تعميق المفاهيم الإسلامية في نفوس الأطفال مما يشير إلى افتقار هذه المواد الإعلامية إلى جهاز إعلامي تربوي مسلم متخصص في شؤون الأطفال.

والبرامج المنتجة في بعض الدول العربية تفتقر -هي الأخرى - إلى الأهداف الإسلامية إلى جانب افتقارها إلى أسلوب التشويق والجذب، في غالب انتاجها، مما أدى إلى التوجه الكبير نحو الانتاج الأجنبي الجذاب، الذي لا يتلائم في منطلقاته ومضامينه مع العقيدة والأخلاق التي يؤمن بها أبناء المنطقة الإسلامية.

وبعض البرامج المنتجة في الدول العربية تستوحي روحها، وفكرتها من برامج وإنتاج غربي بهدف الاستفادة من شهرتها، وأسلوبها المشوق، فبرنامج "افتح يا سمسم" الذي كان يعرض في منطقة الخليج، وبعض الدول العربية الأخرى، يستوحى فكرته وأسلوبه من البرنامج الأمريكي "سيسم استريت"، ورغم أنه من إنتاج عربي إلا أنه يخلو تقريباً من الأهداف التربوية الإسلامية، وتغلب عليه الأهداف التعليمية، إلى جانب إبرازه للقيم والعادات الغربية.

أما النصيب الأكبر، والمساحة الإعلامية الأوسع بالنسبة لبرامج الأطفال فتخص الصور المتحركة، أو ما يسمى بأفلام الكرتون، حيث تعرض بصورة مستمرة في أوقات منتظمة أثناء البث اليومي، وقد اتصفت هذه الأفلام بحبكة الإخراج، وصفاء الصورة، ودقة الرسم والتصوير، وجمال الألوان، إلى جانب اختيار القصص المثيرة، واستخدام الموسيقى التصويرية الجذابة، مما يستهوي الكبار فضلاً عن الصغار. ومعظم هذه الأفلام من إنتاج أجنبي، وتدور معظم أحداث رواياتها حول عنصر الصراع، والحرب، والقتال، فتارة يكون بين القطط والفئران، وأخرى بين المركبات الفضائية، وهكذا والصراع في هذه الأفلام قائم بين الخير والشر، دون تحديد لطبيعة هذا الخير وحقيقته، وطبيعة هذا الشر وحقيقته، مما يميع القضية وحقيقة الصراع الحضاري في نفس الطفل، إذ لا بد أن يعرف أن الخير كله في دينه، والشر كله فيما سواه.

كما أن أفلام الفضاء، والأفلام الخيالية بما تحويه من الصراع والعنف، فإنها تحمل عقيدة وثنية، إذ تعرض هذه القصص، والروايات وأنواع الصراع: بعيداً عن الله U وكأن الكون غير محكوم بقدرة تعالى ومشيئته، إلى جانب تركيزها على قضية وجود أعداء وهميين في هذا الكون يهددون البشر، وهذا يخالف عقيدة المسلمين التي أخبر بها القرآن من وجود الملائكة والإنس والجن، وهذا النوع من الخرافة يفسد منهج التفكير عند الطفل، ويطبعه بطابع خيالي جامح بعيداً عن العلم الصحيح، إلى جانب لفت نظر الطفل، واهتمامه إلى عدو وهمي في هذا الكون غير الشيطان العدو الحقيقي للإنسان.

وبعض الأفلام الكرتونية تدور قصصها ورواياتها حول الحب والغرام كما هو الحال بالنسبة لمسلسلات وتمثيليات الكبار، حيث تدور أحداث بعض هذه الأفلام على غراميات بين ذكر وأنثى من البشر، أو الحيوانات، أو الحشرات، إلى جانب ما يحدث أحياناً من القبلات، والغمز بين هؤلاء العشاق، وهذا فيه تحريك لشهوة الولد، وتعريض بالفاحشة، وتحريض على تكوين علاقات الحب والغرام مع القريبات من الإناث.

والبعض الآخر من هذه الكراتين الأجنبية تظهر فيه علامات العنصرية والتحيز واضحة جلية، فلا حق، ولا خير، ولا بطولة، ولا انتصار، إلا لأصحاب الألوان الفاتحة، والشعور الشقراء، بغض النظر عما إذا كانوا من الإنس أو الحيوان أما الأشقياء المعاندون، أصحاب الباطل، يظهرون دائماً من الملونين، أصحاب البشرة السمراء، فعلى سبيل المثال قصة "بوباي" البحار الأبيض الخيِّر، الموحى شكله ولونه بالرجل الغربي، وصراعه المستمر مع خصمه الأسمر الشرير ذي الشعر الأسود، واللحية السوداء الموحي شكله ولونه بالرجل العربي، ثم الانتصار المؤزر في نهاية الصراع للأبيض صاحب الحق على الأسمر صاحب الباطل فهذه البطولات الخيالية لا تمت إلى أبناء المنطقة العربية بأي صلة بل هي تمجيد واضح للشعوب البيضاء، إلى جانب ما فيها من العنف والإثارة الصاخبة والغراميات، والصراع على النساء.

وبناء على ما تقدم لابد للأب أن يدرك أن لهذه الأفلام الكرتونية أثرها البالغ في نفس الولد، فإن تأثيرها في عقله سريع جداً، ووصول فكرتها إليه مضمون أكثر مما لو مثل هذه المواقف والأدوار أشخاص عاديون فإن كان المعروض من الخير كان التأثير خيراً، وإن كان المعروض من الشر - وهو الواقع والأغلب- فإن التأثير بلا شك تأثير شرير سيء. وقد دلت " الأبحاث على أن التلفزيون يستطيع أن يؤثر في سلوك الأطفال الاجتماعي واتجاهاتهم" فمما لا شك فيه أن أثر هذه الأفلام واقع وحاصل في الأولاد لا محالة، وأقل أثر يمكن أن تتحدد في الولد الإثارة، والعنف، فقد دلت البحوث على أن أفلام الكرتون أكثر الأفلام عنفاً.

أما الفيديو فإنه تابع للتلفزيون من ناحية فكرته، وطبيعة عمله، وتأثيره على المشاهد، إلا أنه أسرع تناولاً لأنواع المواد الإعلامية المختلفة من التلفزيون، وأبلغ في تحكم المشاهد في أوقات العرض والمشاهدة. ويعتبر في العموم أقل خطراً من التلفزيون إذا كان في بيت مسلم، وتحت رقابة صارمة؛ إذ تتحدد أوقات العرض، وتنتقي البرامج الهادفة التربوية. أما إن كان في بيت منحل، لا ينتقي، ولا ينظم أوقات العرض فإن هذا الجهاز أخطر بكثير من التلفزيون؛ إذ يمكن أن تعرض فيه مواد إعلامية منحرفة كأفلام الجنس التي تهدم الأخلاق والآداب. أما التلفزيون -رغم ما فيه من الانحرافات- فإنه لا يعرض مثل هذا على الأقل في البلاد الإسلامية.

وفي بحث أجري في مدينة الرياض حول معرفة أنواع برامج الفيديو التي يميل إليها الأطفال: وجد أنهم أكثر زبائن أفلام الرعب، والكراتيه. أما أفلام الكرتون والأفلام الأخرى المخصصة لهم والتي كانوا يقبلون عليها بشدة، فقد قل إقبالهم عليها في الآونة الأخيرة، واستبدلوا بها أفلام الكبار، والأعجب من ذلك لوحظ ميلهم الشديد نحو مشاهدة الإعلانات التجارية وإقبالهم على شراء أشرطتها المسجلة.

وهذا مؤشر خطير إذ إن هذه الأنواع من مواد الفيديو التي أشار إليها البحث تضر الأولاد، فأفلام الرعب والكراتيه أقل ما تسببه الميل إلى العنف كما دلت على ذلك البحوث، وأفلام الكبار البعيدة عن الرقابة خطرها لا يخفي كما تقدم ذكره. أما الإعلانات التجارية بما فيها من السخافة، والكذب، والخداع، فإنها تعتمد على السرعة، وعدم الثبات، وجذب الانتباه وتشتيته في نفس الوقت في جو موسيقي جذاب، فضلاً عما فيها من تحريك لمكامن الشهوة بعرض مفاتن المرأة، وابتذال جسمها لترويج المنتجات التجارية، مع خلوها تماماً من الأهداف التربوية. وقد دلت نتائج أحد البحوث الميدانية التي أجريت بمصر بعنوان "برامج وإعلانات التلفزيون كما يراها المشاهدون والمعلنون" أن 98.6 % من الأطفال يشاهدون الإعلانات بصفة منتظمة ومستمرة وهذا يؤكد نتائج صحيفة "رسالة الجامعة" المتقدم ذكرها.

ورغم هذا الخطر المتوقع من أجهزة الفيديو نجد أن انتشاره في دول العالم الثالث كبير جداً، فعلى سبيل المثال دول الخليج العربية السبع يوجد بها حوالي خمسة ملايين جهاز فيديو في حين أن هذا العدد من أجهزة الفيديو لا يوجد في كل من فرنسا وبلجيكا وبريطانيا مجتمعين فهذا الانتشار الواسع، مع سوء الاستعمال يؤدي بلا شك إلى انحرافات أخلاقية خطيرة.

ويتعمق خطر التلفزيون بعد الانفتاح الإعلامي الكبير الذي يعيشه العالم المعاصر عن طريق البث المباشر وشبكات الانترنت، التي أصبحت في مجموعها تهدد البناء التربوي من أساسه، ويصعب معها إلى حد كبير الضبط والرقابة، مما يؤكد على أهمية التربية الإسلامية لتكون حصن المسلم في عصر العولمة والانفتاح.