16 - قبيحة السرقة عند الطفل وحمايته منها
تعد السرقة من الأعمال القبيحة التي نهى الشارع الحكيم عنها، وتوعد أصحابها بالعقاب الشديد في الدنيا بقطع الأيدي، أما الآخرة فعذابها أشد وأعظم، قال I: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38]، وذلك لأن في السرقة إضراراً بالآخرين، وامتلاكاً لمتاع الناس بغير حق، إلى جانب ترويع الناس وإضاعة الأمن.
ولما كان الأمر كذلك فإن تربية الولد وتركيز مبدأ الخشية من الله في نفسه، واحترام حقوق الآخرين وممتلكاتهم وعدم السطو عليها يعتبر أمراً في غاية الأهمية، فإن الذي يتعود السرقة صغيراً ربما اقترفها كبيراً، لهذا وجب على الأب أن يتولى تدريب ولده منذ نعومة أظفاره على احترام خصوصيات إخوته واقربائه والجيران متخذا في ذلك الأساليب التربوية المختلفة في إفهام الولد حدود ملكيته وأن الأغراض والألعاب الموجودة في غير غرفته، أو الموجودة في غير خزنته لا تخصه ولا يجوز له أخذها إلا بإذن صاحبها ورضاه، فيدرب الأولاد على أن يستأذنوا من بعضهم البعض عند رغبة أحدهم في الاطلاع على قصة أخيه، أو اللهو بدراجته، أو أخذ شيء من خصوصياته وألعابه. فإن أخطأ أحدهم فلم يستأذن نبهه وأرشده، وأمره بالاعتذار وعدم العودة.
والسرقة عند الأطفال الصغار تعد من أكثر مظاهر الانحراف حدوثاً خاصة عند الأطفال دون السادسة من العمر، فهم لا يعرفون الأشياء التي تخصهم دون الأشياء التي لا تخصهم كما أن الطفل لا يدرك شناعة ما أقدم عليه من السرقة وقبح فعلته إلا بعد العاشرة.
وتعتبر معرفة الأب لأسباب السرقة عند الأولاد ودوافعها أمراً هاماً إذ أنه بمعرفته لهذه الأسباب يمكنه أن يضع الحلول المناسبة الكفيلة لحماية الولد من الوقوع في هذا السلوك المنحرف، ومن أهم أسباب السرقة عند الأطفال رغبتهم في إشباع شهوة البطن بأكل الحلوى، فحب الحلوى عند الأطفال كثيراً ما يدفعهم إلى السرقة سواء كانت سرقة الحلوى ذاتها، أو سرقة النقود التي تمكنهم من شرائها والحل لهذه المشكلة عند الأولاد هو توفير ما يرغبون فيه من الحلوى، والمأكولات الشهية، ليزهدوا فيما عند غيرهم، على أن يراعى الأب في ذلك الحكمة في الإنفاق وعدم الإسراف في المأكل والمشرب؛ وتعويد الأولاد كثرة الأكل، خاصة من السكريات والنشويات التي تورث السمنة والبدانة المذمومة، ويراعى الأب إذا حدث أن أخذ الولد شيئاً من الحلوى أو غير ذلك بغير إذن صاحبها أن يعظه وينبهه ولا يشتد عليه، خاصة إن كان قبل سن العاشرة، إذ إنه - كما أشير من قبل - لا يدرك قبح فعلته؛ بل على الأب أن يعمل بالحكمة، ويتخذ من منهج الرسول r وأسلوبه في هذا المجال قدوة، فقد روى الإمام أحمد في المسند أن غلاماً كان يرمي النخل ويأكل منها، فشكوه إلى الرسول r فسأله عن ذلك فاعترف أنه يأكل منها، فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن مسح رأسه ودعا له، ونهاه أن يعود لذلك، وأمره أن يأكل مما يسقط من النخل دون أن يرمي، ففي هذه الرواية يجمع الرسول r بين العاطفة على الولد والحنو عليه فيمسح رأسه، وبين الأمر بترك هذا السلوك القبيح دون زجر شديد أو تقبيح، رغم أن أناساً شكوه عليه، إذ كان المتوقع أن تصدر عقوبة بحقه، أو بحق وليه، وغرامة على ما أتلف من النخل، لكنها الرحمة النبوية التي عمت الكبير والصغير، والقدوة الصالحة الحسنة في منهج تربية الولد في الإسلام.
ومن أسباب تعاطي الولد السرقة أيضاً: تكليفه الكسب والتجارة، وإلزامه بدخل معين رغم صغر سنه وقلة عقله وخبرته، فقد نهى عن ذلك الخليفة الراشد عثمان بن عفان t حيث قال: "لاتكلفوا الصغير الكسب، فإنه إذا لم يجد سرق ".
فالوالد الفقير المحتاج إلى الاستفادة من طاقة ولده في طلب الكسب عليه أن يراعى عدم إلزام الولد بمدخول معين، ولا يشترط عليه تحصيل مبلغ معين يومياً؛ بل يلتزم بحسن التوكل على الله، وأنه هو الرزاق ذو القوة المتين، فإن لم يفعل ذلك ربما ساق ولده إلى الانحراف ليرضيه إما بالسرقة أو الغش، أو غير ذلك من السلوكيات المنحرفة.
وسرقة الأطفال من الجيران كثيراً ما تحدث، وربما سببت قطيعة أو خصاماً وشجاراً بين أولياء الأمور. فإن ثبت لدى الأب أن ولده أخذ شيئاً من ممتلكات الجيران، أو من أطفالهم فإن أفضل حل لهذه القضية لتستأصل من أصلها هو إلزام الولد بإرجاع ما أخذ بنفسه، والإلحاح عليه في ذلك؛ لأنه سوف يستفيد ويتعلم من هذا الدرس الصعب فلا يعود لمثله فإن خشي الأب بطش جاره، أو توقع سوء مقابلته لولده عند إرجاع ما أخذه منهم فيستحسن أن يتفاهم مع الجار أولاً، معتذراً عما بدر من ولده، ومخبراً أنه سوف يأتيه معتذراً، فلا يزجره ولا يشتد عليه، بل يحسن مقابلته ويثنى عليه حسن اعتذاره، وإصلاحه لسوء فعلته. وهذا يعد درساً عملياً جيداً للولد وتهذيباً لنفسه فلا يعود إلى السرقة بعد ذلك.
ومن أسباب سرقة الأطفال أيضاً: قلة ذات اليد، فالطفل الفقير الذي لا تؤمن له حاجته ومتطلبات طفولته كثيراً ما يلجأ إلى السرقة ليشبع هذه الرغبة في نفسه. ودور الوالد في هذا الجانب هو تركيز قضية القضاء والقدر وأن يصبِّر ولده وأهل بيته مبيناً فضائل الفقر، وأن لهم بذلك عند الله خيراً وأجراً عظيماً، فيذكرهم بقوله عليه الصلاة والسلام: ((يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وهو خمسمائة عام)) كما يبين لهم أن حياة الفقر وشظف العيش عاشها عليه الصلاة والسلام، ورضي بها رغم قدرته على أن يملك الدنيا، ولكنه قنع بالقليل لعلمه بأنه أفضل وأحسن، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما واصفاً طبيعة حياة الرسول r وكيف كانت عيشته مع أهله، فقال: ((كان رسول الله r يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير)) بهذا التذكير الدائم للأولاد ينمو عندهم حسن التوكل على الله، والرضى بما قسمه وقدره، فلا يلجأون إلى السرقة لإشباع رغباتهم وحاجاتهم.
أما الأسرة التي منحت سعة من الرزق ولها مدخول جيد. فإن تخصيص مصروف يومي للولد يتناسب مع مدخول الأسرة يعتبر إجراء جيداً خاصة إذا كان الولد عارفاً بالقطع النقدية؛ إذ يفضل أن يعطى الولد بعض النقود يومياً ليصرف منها، فتغنيه عن الانحراف والسرقة المتوقعة من الأطفال الذين لا يملكون ذلك المصروف اليومي.
ويضاف إلى أسباب السرقة ودوافعها عند الأطفال قضية قلة حب الوالدين للطفل وعطفهما عليه؛ إذ أن الطفل الذي لا يحصل على هذا العطف والحب من أهله فإنه ربما لجأ إلى تعويض هذا النقص بالحصول على أكبر قدر ممكن من الممتلكات فتراه يأخذ ألعاب إخوته، وربما أخذ بعض حاجات أطفال الجيران، وينسب كل هذا لنفسه وأنها أغراضه، ولحماية الطفل من هذا الانحراف يعمل الأب جاهداً على إبراز عواطفه الأبوية تجاه الأولاد. ويشعرهم بذلك وأنه يحبهم ويكون ذلك من خلال ملاطفتهم وعناقهم وتقديم الهدايا لهم، والجلوس معهم، والتحدث إليهم في أوقات مختلفة، وعدم تعنيفهم وزجرهم وضربهم إلا عند الضرورة وتجنب التقبيح والسخرية منهم واستنقاصهم في جميع الأوقات فإن هذه المعاملة العنيفة بعيدة كل البعد عن منهج التربية الإسلامية.