7 - ضرورة القدوة في تربية الطفل
تعتبر القدوة من أهم وسائل التربية إن لم تكن هي أهمها على الإطلاق، وذلك لوجود تلك الغريزة الفطرية الملحة في كيان الإنسان التي تدفعه نحو التقليد والمحاكاة، خاصة الأطفال الصغار، فهم أكثر تأثراً بالقدوة إذ يعتقد الطفل في سنواته الأولى أن كل ما يفعله الكبار صحيح، وأن آباءهم أكمل الناس وأفضلهم، لهذا فهم يقلدونهم ويقتدون بهم.
ويبدأ التقليد عند الأطفال عادة منذ السنة الثانية تقريباً، ويبلغ التقليد غايته في سن الخامسة أو السادسة، ويستمر معتدلاً حتى الطفولة المتأخرة ولا شك أن هذا التقليد دليل على محبة الأولاد لآبائهم، وليس نابعاً عن خوف أو خشية؛ بل هو ميل حقيقي قد امتلك واستهوى قلوب الصغار نحو آبائهم، وهذا الاعتقاد الصحيح يخالف وينقض ما ذهب إليه "فرويد" صاحب عقدة "أوديب" من الزعم بأن الولد يكن في نفسه بغض أبيه وكراهيته لأنه ينافسه على أمه وهذا لاشك يعد من الافتراء الباطل واتهام فطرة الأولاد الأبرياء بالنفاق والخداع منذ حداثة أسنانهم، وقبل أن يكونوا مكلفين، وهذا النوع من الاتجاهات المنحرفة وما شابهها يحذر الأب منها غاية الحذر فلا يكثر من الاطلاع عليها في الكتب المنحرفة، فضلاً عن الاعتقاد بها والعمل بموجبها، مع الحذر من بعض الكتاب الذين تبعوا فرويد في اعتقاده الباطل بشيء من التهذيب والتحسين دون تصريح، خطأ منهم، أو جهلاً.
والأطفال يتعلمون بالقدوة والمثل أكثر بكثير مما يظن ويتصور الوالد، فالطفل يتأثر بنا ويقلد طريقتنا في معاملتنا… وعلاقتنا بجارنا، وحديثنا عن زملائنا في العمل، دون أن نشعر نحن غالباً بهذا الأمر، فاتجاهاتنا النفسية.. تصبح كلها هي نفس اتجاهاته النفسية وبناء على هذا يكون التعود على فعل الخير بالقدوة الصالحة في أول الأمر هو المنهج الصحيح للتربية الإسلامية، إذ أن العقيدة الإسلامية لا يكفي أن تكون في قلب المسلم دون أن يكون لها واقعها العملي المترجم في السلوك الإسلامي الصحيح في جميع مجالات الحياة، فقد ذم الله I ومقت الذين تخالف أعمالهم أقوالهم، فقال U: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2-3]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((يؤتي بالرجل يوم القيامة، قيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه))، وسبب هذا التحذير الشديد من مخالفة القول للعمل ما يمكن أن تسببه هذه المخالفة من ضرر نفسي فادح بالمقتدين, خاصة الأطفال الذين لا يعقلون, فالطفل "الذي ينشأ وهو يظن أن والده منافق مراء في عبادته وأمور دينه, يكون أصعب الأطفال طراً في اجتذابه واستمالته إلى الدين".
فالطفل في حوالي السنة السادسة من عمره تقريباً يمكن أن يحدد مدى التزام أهله بالتوجيهات التي يأمرونه بها، فالتلقين لا يثمر مع الولد وإن استعملت معه جميع أنواع ووسائل التربية إن لم توجد القدوة الصالحة التي تكون بمثابة ترجمة عملية للمعاني المجردة وإن الناظر في أوضاع المجتمعات الإسلامية اليوم يجد "أن عقيدتنا وأخلاقنا وقيمنا تكاد تكون في ناحية، وحياتنا العملية في ناحية أخرى، نقيضان لا يلتقيان" فكيف ينشأ مع هذا الوضع أطفال صالحون يرون ويشاهدون المتناقضات في حياة الأمة. إنهم مهما سمعوا من المربين، فإنهم لن يحملوا في داخل أنفسهم سوى الصورة التي يرونها أمامهم من أنواع وأنماط السلوك إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وقد تنبه السلف الصالح رضوان الله عليهم إلى هذا الأمر وأهميته. فهذا عمرو بن عتبة ينبه معلم ولده لهذا الأمر، فيقول: "ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت" فالأطفال لا يدركون المعاني المجردة بسهولة، ولا يقتنعون بها بمجرد سماعها من المربي بل لابد من المثال الواقعي المشاهد.
وبهذا يظهر أنه لا مجال للتربية الإسلامية الصحيحة بدون القدوة الصالحة، التي تمتثل الأوامر، وتستجيب لها، وتنزجر عن النواهي، وتمتنع عنها.